وأي مظهر من مظاهر التعبير الصريحة أو الضمنية يكفي بوجه عام في التعبير عن الإرادة مع مراعاة أن هناك عقودًا شكلية سبقت الإشارة إليها تستلزم أن يتخذ التعبير مظهرًا خاصًّا في شكل معين ومع مراعاة أن هناك قواعد للإثبات تستوجب الكتابة في كثير من الفروض، ولكن الكتابة في هذه الحالة الأخيرة ليست مظهرًا للتعبير عن الإرادة بل طريقًا لإثبات وجودها من بعد أن يسبق التعبير عنها ومع ذلك فهناك أحوال يجب التعبير عن الإرادة فيها تعبيرًا صريحًا ولا يكتفي بالتعبير الضمني.
وقال في تعليق له قبل هذه الفقرة الأخيرة:
وهناك رأي يذهب إلى أن التعبير الصريح هو التعبير المباشر أو التعبير الذي يقصد به إيصال العلم بطريق مباشر إلى من توجَّه إليه هذه الإرادة.
قلت: على أن الكتابة بالوسائل اللاسلكية الحديثة الناسخة منها والناقلة لصور الوثائق يمكن أن تعتبر جامعة بين كونها وسيلة للتعبير الصريح عن الإرادة ووسيلة لإثبات وجودها باعتبار أن مجموع الرسائل أو الوثائق المتبادلة لا سلكيًّا تكون وثيقة العقد، ففي هذه الحالة تكون الوثيقة – في آن واحد – معبرة عن الإرادة ومثبتة لوجودها.
ثم قال [ص٢٣٧، ٢٤٥] :
.... يحدث كثيرًا أن يتم التعاقد بين غائبين لا يجمعهما مجلس واحد ويتم ذلك بالمراسلة بأية طريقة من طرقها المختلفة، البريد أو البرق أو رسول خاص لا يكون نائبًا أو غير ذلك.
وليس الذي يميز بين الفرضين في حقيقة الأمر هو أن يجمع المتعاقدين مجلس العقد أو ألا يجتمعا في مجلس واحد، بل إن المميز هو أن تفصل فترة من الزمن بين صدور القبول وعلم الموجب به في التعاقد ما بين حاضرين تمحي هذه فترة من الزمن ويعلم الموجب بالقبول في الوقت الذي يصدر فيه. أما في التعاقد ما بين غائبين فإن القبول يصدر ثم تمضي فترة من الزمن هي المدة اللازمة لوصول القبول إلى علم الموجب ومن ثم يختلف وقت صدور القبول عن وقت العلم به.
والذي يؤكد ما تقدم، أننا نستطيع أن نتصور تعاقدًا ما بين غائبين لا يفصل زمن فيه ما بين صدور القبول والعلم كالتعاقد بالتليفون وعندئذٍ تنطبق قواعد التعاقد ما بين حاضرين على ما صدر، ونستطيع أن نتصور تعاقدًا ما بين حاضرين يفصل زمن فيه بين صدور القبول والعلم به وعندئذٍ تنطبق قواعد التعاقد ما بين غائبين، ويكفي لتحقق ذلك أن نتصور أن المتعاقدين افترقا بعد صدور الإيجاب الملزم وقبل صدور القبول، ثم صدور القبول بعد ذلك وأتى من صدر منه القبول بنفسه يبلغ الموجب قبوله.