وكان أخيرًا لا يجوز أن يجتمع حقان شخصيان في عقد واحد، كبيع وإيجار أو بيع وقرض ذلك أن الصناعة القانونية كانت تقضي بأن يكون لكل عقد صيغة خاصة لا ينعقد إلا بها، ولا ينعقد بها غيره من العقود. وكان يراد التعامل. ومن ثم كان المتعاقدان لا يستطيعان استعمال صيغة عقد البيع في الوقت الذي يستعملان صيغة الإيجار أو صيغة عقد القرض، وكان لا يمكن تبعًا لذلك أن يجمع المتعاقدان صفقتين في صفقة واحدة.
ثم إن العقد طبقًا للصناعة القانونية القديمة هو أيضًا وحدة زمانية في وقت معين – هو الوقت الذي يبرم فيه العقد – يتركز كل شيء يتعلق بهذا العقد من ناحية تمامه والفراغ منه، ومن ناحية الشروط الواجب توافرها فيه ومن ناحية الآثار التي تترتب عليه.
١- فمن ناحية تمام العقد والفراغ منه تتجلى وحدة الزمان في أن المتعاقدين يجب أن يحضرا في مكان واحد وأن يبرما العقد في وقت واحد ذلك بأن وحدة الزمان تقتضي وحدة المكان، ففي مكان واحد وفي وقت واحد يبرم العقد الواحد وذلك هو مجلس العقد.
ويقول أهرنج [روح القانون الروماني: ٤/١٤٩] في هذا الصدد: في جميع التصرفات القانونية التي تستلزم اشتراك أشخاص متعددين كانت وحدة التصرف تقتضي حضور هؤلاء الأشخاص في مكان واحد، فالوحدة في العقد أي الوحدة في الزمان تقتضي الوحدة في المكان ومن ثمَّ كان لا يجوز أن يدخل على العقد بعد إبرامه أي تعديل، وإذا أريد تعديل العقد وجب أولا إنهاؤه ثم إبرام عقد جديد ينشئ ابتداء الروابط القانونية على الوجه المعدل ذلك أن جواز تعديل العقد مع بقائه قائمًا يخل بالوحدة الزمانية في إبرامه فقد كان ينبغي جمع كل التعديلات المطلوبة وإدماجها في العقد وقت إبرامه حتى تتحقق الوحدة الزمانية.
ثم علّق السنهوري على هذه الفقرة مضيفًا إليها فقرة أخرى نقلها أيضًا عن أهرنج [نفس المرجع: ص٥٢] وهي قوله: (على أن اتساع الرقعة الجغرافية وتعقد طرق المواصلات وانتشار الحضارة، كل أولئك دعا بعد ذلك إلى استعمال وسائل المراسلة من رسول وكتب ونحو ذلك، فوجد العقد بالتراسل والكتابة واختلت وحدة الزمان والمكان) .