الوحدة في العقد كانت تضاهي الوحدة في الدعوى والعقد كالدعوى كانت تسوده البساطة العامة فكان لا يشتمل إلا على صفقة واحدة ولا ينشئ إلا حقًّا واحدًا، وبقدر تعدّد السلطات والحقوق كان من الواجب أن تتعدد العقود، كان لا يجوز أن يجتمع حقّان من طبيعة مختلفة، حق عيني وحق شخصي في عقد واحد، بل كان لا يجوز أن يجتمع حقان من طبيعة واحدة في عقد واحد سواء كانا حقّين عينيين أو حقين شخصيين.
كان لا يجوز أن يجتمع حق عيني وحق شخصي في عقد واحد يتجلى أثر ذلك في الرهن، فقد بدأت فكرة الرهن تدخل النظام القانوني على الوجه الآتي: كان الرهن ينقل ملكية العين المرهونة إلى الدائن المرتهن ثم يفرض عليه التزامًا أن يعيد إليه هذه الملكية عند وفاء الدين المضمون بالرهن، فكانت عملية الرهن على هذا الوجه تتضمن نقل حق عيني وإنشاء التزام شخصي ولكن لم يكن يجتمع الأمران معًا في عقد واحد فينقل الراهن في العقد ملكية العين المرهونة ويشترط في نفس العقد أن تعاد إليه الملكية عند وفاء الدين، بل كانت تنقل إلى المرتهن في عقد شكلي (MANCIPATION) مستقل والالتزام بإعادة نقلها إلى الدائن يفرض في عقد شكلي آخر (CONVENTION ACCESSOIRLAFIDUCIA) متميز عن العقد الأول، كذلك إذا أراد المولى أن يعتق عبده وأراد في الوقت ذاته أن يخدمه العبد بعد العتق لم يكن المولى يستطيع في عقد واحد أن يجمع بين العتق واشتراط الخدمة، بل كان عليه أن يعتق العبد بتصرف قانوني قائم بذاته غير مقترن بأي شرط ثم يشترط عليه الخدمة في عقد آخر متميز عن التصرف الذي تضمن الإعتاق.
وكان أيضًا لا يجوز أن يجتمع حقان عينيَّان في عقد واحد كأن يجتمع حق الملكية مع الارتفاق حتى إن المالك كان إذا أراد أن ينقل ملكية العقار إلى شخص آخر على أن ينشىء لمصلحته حق ارتفاق على هذا العقار لم يكن ينقل ملكية العقار كاملة، ثم يشترط في العقد ذاته إنشاء حق الارتفاق بل كان ينقل حق الملكية منقوصًا منه حق الارتفاق الذي يستبقيه لنفسه، فلم يكن العقد يتضمن صفقتين إحداهما نقل حق الملكية والأخرى إنشاء حق الارتفاق بل كان يتضمن صفقة واحدة هي الملكية الناقصة بعد الاحتفاظ بحق الارتفاق ولم يكن حق الارتفاق ينشأ بالعقد بل يستبقي على أصل الملك الأول.