على أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وضع الأساس العملي بطريقة عملية لهذه الحقيقة حقيقة تحكيم الأعراف والعادات في ضبط طرائق المعاملات وأساليب صياغة العقود بين الناس بما أقرّ من معظم ما وجد عليه الناس في حياتهم المعاشية وتصحيح وتقويم بعضها مما لم يكن ملتزمًا بقواعد العدل التي هي أساس التشريع الإسلامي وكل تشريع سبقه.
ومن أبرز ما يشخص ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:((الوزن وزن مكة والكيل كيل المدينة)) . وما شاكل هذا القول من ألفاظ الحديث. وإقراره التعامل بالدينار والدرهم نقدًا ووزنًا وهو ما كان عليه العمل في الحجاز عندئذ.
وجلي أن تعيين المبيع بالكيل والوزن وما شاكلهما وتعيين الثمن بالنقد المسكوك أو الموزون أساسان ضروريان لتحقيق العدل ونفي الغرر والاعتساف في المعاملات المالية وما شاكلها.
ولو شاء صلى الله عليه وسلم لوضع للناس كيلا جديدًا ووسيلة أخرى للتثمين غير ما كانوا تعوَّدوا التعامل به، لكنه صلى الله عليه وسلم بإقراره لما وجده عادة عادلة درجوا عليها في تعيين المبيع وتحديد الثمن شَرَعَ تشريعًا يتجاوز هذين الأمرين، ومداه أنَّ كل عادة وكل عرف لا يخرج عن نطاق العدل والإنصاف مشروع له قوة النص بل له قوة التحكّم في تحديد ما يفهم من النص وما يفقه من دلالاته الشرعية، وبهذا التشريع يتحقق أساس قابلية التطور للنصوص الشرعية الحافظة وحدها لأساس العدل بين الناس ولبقاء العلاقة الضرورية بين معاملاتهم وبين ما تجب عليهم مراعاته من الالتزام بضوابط ومعايير شرع الله.
ولبيان أن هذا الأساس أساس طبيعي متجانس مع ما جرى عليه التطور الحضاري البشري نسوق فيما يلي شواهد مما درج عليه وتطور التشريع الوضعي لدى غير المسلمين واقتبسته دول إسلامية دأبت على التكيف بالمناهج التشريعية الوضعية في تشريعاتها.