وملحظ التأثير الزمني والبيئي في تكييف أفهام الناس ودلالات الصيغ – ألفاظًا كانت أوعباراتٍ – ملحظ دقيق على أنه ضروري لاستنباط الأحكام الشرعية وفهم النصوص الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان.
لذلك كان العرف والعادة مؤثرين تأثيرًا بليغًا في ضبط معاني الصيغ ودلالاتها وفي تحديد مناهج استنباط الأحكام وتعيين قواعده ومعالم مساره.
وقد يزيد من تبيان هذا الملحظ تأمل قضية (التعبير) الذي ينعقد به البيع وهي قضية أبدأ فيها المتفقهة وأعادوا ما شاءت لهم طرائقهم في فهم النصوص واستنباط الأحكام منها فاضطربوا أعجب اضطراب وأغربه في تعيين صيغ الإيجاب والقبول في عقود المعاملات والأنكحة وما شاكلها، فلما واجهتهم أفعال وأقوال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجدوا سبيلا إلى التشكيك فيها أثبتت اعتماده صلى الله عليه وسلم لغير اللفظ المقول أساسًا للحكم ذهب بعضهم يحاولون تضييق نطاق هذا الأساس وتحديد فعاليته بضوابط وحدود لا مسوِّغ لتمحلها إلا وقوفهم عند ظواهر بعض النصوص أو جمود بعضهم على مقولات أهل مذاهبهم حتى كانوا يؤثرونها على الثابت من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فعله فيحكمونها فيه.
وشاء الله أن تتطّور الحضارة البشرية فينحسر مجال التّعامل بالقول المسموع لا سيما في المعاملات التجارية انحسارًا أوشك أن يلغيه فيما يتسع مجال التعامل بالتعبير المرتكز بعضه على الكتابة سواء كانت باليد أو بالإجهزة الناقلة كهربائيًّا، ويرتكز جانب منه على نوع آخر من الكتابة هو تحويل الألفاظ التي يراد تحويلها كتابة إلى رموز وإشارات، ثم ترجمة تلك الإشارات مرة أخرى بعد أن تنقل كهربائيًّا بين مكانين متباعدين – إلى تلك الألفاظ نفسها أو إلى ما يعبر عنها -، وذلك هو الشأن في التواصل البرقي أواللاسلكي غير البرقي مثل القائم على النقل الكهربائي للعبارات (التلكس – TELEX) وما شاكله، بل إن التواصل الصوتي نفسه يتحول بين الطرفين المتخاطبين ذبذبات كهربائية بعد أن يصير ألفاظًا مسموعة يتبادلانها، وهذه الذبذبات لا تختلف في جوهر طبيعتها عن تلك الرموز والإشارات التي تعمل بها غير الأجهزة الصوتية من أجهزة الاتّصال اللاسلكي.