فلو وقفنا حيث وقف أولئك المتفقّهة من تحديد صيغ الإيجاب والقبول في تحقيق العقود تعذَّر أو استحال إنجاز التعامل بين الناس بهذه الأجهزة المستحدثة والتي تتوقّف عليها توقّفًا كاملا معاملات البشر اليوم.
وحتى إذا أمكن اعتبار بعض تلك الأجهزة – مثل أجهزة الاّتصال الصوتي – غير غريبة أو غير مستحيل التعامل بها في نطاق تحديدهم لصيغ الإيجاب والقبول، فإنّ التعامل بغيرها وخاصة (الحسيب) لا سبيل إلى إيجاد علاقة (شكلية) بينه وبين تلك الصيغ لاستحالة وجود صوت أو عبارة لفظية بذاتها يمكن له إلحاقها بها.
لكن فهم فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله مما سقنا بعضًا منه في الفصل الرابع إذ اعتمد الإشارة أساسًا للحكم في قصة الجارية المعتاد عليها مثلا، بل اعتمد عدم التعبير والإمساك عنه أساسًا لإبرام العقد بقوله صلى الله عليه وسلم: ((الثيب تعرب عن نفسها والبكر إعرابها صمتها)) تعليق: الحديث بهذا اللفظ أخرجه أحمد وابن ماجه والبيهقي من حديث عدي بن عدي بن عميرة. قال أحمد في [مسنده: ٤/١٩٢] :
حدثنا إسحاق بن عيسى قال: حدثني ليث يعني ابن سعد قال: حدثني عبد الله بن عبد الرحمن، عن ابن أبي حسين، عن عدي بن عدي الكندي، عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الثيب تعرب عن نفسها والبكر رضاها صمتها)) .
ثم قال:
حدثنا علي بن عياش وإسحاق بن عيسى وهذا حديث علي قال: حدثنا الليث بن سعد قال: حدثني عبد الله بن عبد الرحمن، عن ابن أبي حسين المكي، عن عدي بن عدي الكندي، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أشيروا على النساء في أنفسهن فقالوا: إن البكر تستحي يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الثيب تعرب عن نفسها بلسانها والبكر رضاها صمتها)) .
وقال ابن ماجه في [سننه: ١/٦٠٢، ح ١٨٧٢] :
حدثنا عيسى بن حماد المصري، أنبأنا الليث بن سعد، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن ابن أبي حسين، عن عدي بن عدي الكندي، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الثيب تعرب عن نفسها والبكر رضاها صمتها)) .
وتعقبه الكتاني في [المصباح: ١/٣٣٠، ح ٦٧٤] بقوله:
هذا إسناد رجاله ثقات إلا أنه منقطع. عدي لم يسمع من أبيه عدي بن عميرة يدخل بينهما العرس بن عميرة قاله أبو حاتم وغيره.
وقال المزي: رواه يحيى بن أيوب المصري عن ابن أبي حسين، عن عدي بن عدي، عن أبيه، عن العرس رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قال:
وهكذا رواه الحاكم في (المستدرك) من طريق عمرو بن الربيع، عن طارق، عن يحيى بن أيوب فذكره بإسناده ومتنه. ورواه البيهقي في (سننه الكبرى) عن الحاكم به، ورواه الإمام أحمد في (مسنده) عن طريق عدي بن عدي. ورواه ابن أبي شيبة في مسنده عن يحيى بن إسحاق، عن ليث بن سعد وأبو يعلي الموصلي، حدثنا زهير، حدثنا إسحاق بن عدي، حدثنا ليث فذكره.
ثم قال:
وله شاهد من حديث ابن عباس وأبي هريرة في (صحيح مسلم) وغيره.
قلت: لم أقف على هذا الحديث في مظانه من (مستدرك) الحاكم ولا من (الكتاب المصنف) لابن أبي شيبة لكن رواه البيهقي عن الحاكم فقال في [السنن الكبرى: ٧/١١٣] :
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن إسحاق حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق، أخبرني يحيى بن أيوب، عن أبيه، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي، أنه أخبره عن عدي بن عدي الكندي، عن أبيه، عن عرس بن عميرة الكندي رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وأمروا النساء في أنفسهم فإن الثيب تعرب عن نفسها والبكر رضاها صمتها)) .