للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد استدل كل فريق على ما ذهب إليه بأدلة نوجز القول فيها، حيث استدل الرأي الأول على دعواه بأنَّ الله تعالى وصف الرهن بأنه مقبوض فقال تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [سورة البقرة: الآية ٢٨٣] . قال الجصاص (١) : وقوله تعالي: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} يدل على الرهن لا يصح إلا مقبوضًا من وجهين:

أحدهما: أنه عطف على ما تقدم من قوله: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ...} [سورة البقرة: الآية ٢٨٢] . فلما كان استيفاء المذكور والصفة المشروطة للشهود واجبًا وجب أن يكون كذلك حكم الرهن فيما شرط له من الصفة، فلا يصح إلا عليها كما لا تصح شهادة الشهود إلا على الأوصاف المذكورة، إذ كان ابتداء الخطاب توجه إليهم بصيغة الأمر المقتضي للإِيجاب، (أي بعبارة أخرى قياس القبض في الرهن على العدالة في الشهود) .

والوجه الثاني: أن حكم الرهن مأخوذ من الآية، والآية إنما أجازته بهذه الصفة فغير جائز إجازته على غيرها، إذ ليس ههنا أصل آخر يوجب جواز الرهن غير الآية ويدل على أنه لا يصح إلا مقبوضًا أنه معلوم أنه وثيقة للمرتهن بدينه، ولو صح غير مقبوض لبطل معنى الوثيقة، وكان بمنزلة سائر أموال الراهن التي لا وثيقة للمرتهن فيها، وإنما جعل وثيقة له ليكون محبوسًا في يده بدينه فيكون عند الموت والإِفلاس أحق به من سائر الغرماء، ومتى لم يكن في يده كان لغوًا لا معنى فيه، وهو وسائر الغرماء فيه سواء ... (٢) .


(١) يفهم من كلامه هذا أنه يرى أن القبض شرط لصحة الرهن، في حين أن مذهب الحنفية ما عدا زفر على أنه شرط للزوم.
(٢) أحكام القرآن للجصاص، ط. دار الفكر، بيروت: ١/٥٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>