للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتتكون هذه القاعدة العرفية من عنصرين عنصر مادي وآخر معنوي فالعنصر المادي هو سلوك طريق واتباع منهج على نمط معين وتكرر ذلك بطريقة يجعل أهل الاختصاص في القانون الدولي يعتدون بهذا السلوك ويعتمدون على هذه الطريقة المتبعة المتكررة الملتزمة المتواصلة فيجعلونها قاعدة ملزمة، ولا ينحصر ذلك السلوك في عدد معين من التكرار أو في مدة مديدة من الزمن، فقد استقر فقه القضاء الدولي وخصوصا قضاء محكمة العدل الدولي على عدم اشتراط مرور مدة معينة أثر بروز هذا السلوك أو تلك الطريقة ليصبح عرفًا ملزمًا، بل إن المحكمة أقرت أن مرور مدة ولو قصيرة على مرور سلوك ما لا يشكل حاجزًا في اعتباره عرفا ملزما، نعم شرط اعتباره أن تتبعه الدول في هذه المدة ولا يحيد عنه خصوصًا الدول المعنية أكثر من غيرها، فلو اتبعت الدول السياحية في ميدان قانون البحار منهجا من المناهج ولازمته، ولم تتخلف عنه وتابعته بصفة منتظمة وطريقة متبعة متواترة أصبح عرفًا ملزمًا إذ نتج عن هذه المتابعة المنظمة قاعدة عرفية تعتمد عليها المحكمة وتبني على مقتضاها أحكامها، ولو لم يبلغ ذلك العمل المنظم إلى إجماع الدول عليه، هذا هو العنصر المادي أما العنصر المعنوي فهو الذي يرتقي بهذا المنهج والطريق المنتظم المتكرر إلى درجة العرف الملزم، وهذا الشعور الراسخ والاعتقاد الجازم، بأن هذا المسلك السائر والمنهج المتبع صار قاعدة شرعية ملزمة ينبني على مخالفة دولة من الدول له جزاء قانوني وبهذا الشعور يظهر الفرق بين ما كان عادة دولية وما كان عرفا دوليًّا فالعادة تشكل مجرد سلوك اجتماعي والعرف الدولي يشكل قاعدة شرعية إلزامية بين الدول، فمراسم استقبال رؤساء الدول أثناء الزيارات الرسمية كعزف النشيد الوطني للدولتين وتحية الشخصيات من طرف الجيش الوطني واستقباله للشخصيات الرسمية له وحضورهم بالمطار لاستقباله والسلام عليه، هذا مما جرت به العادة بين الدول، ولكن لا يترتب على مخالفته عقاب ولا عتاب ولو تقدمت إحدى الدول بقضية في ذلك لما قبل دعواها في حين أن مبدأ حرية الملاحة في المنطقة الدولية الذي صار عرفًا دوليًّا ينشأ عن مخالفته وعدم احترامه جزاء على ذلك ومطالبة بجبر الضرر والقانون الدولي وإن أخذ طريق التطور وقننت قواعده وأصوله، فما زال العرف يحتل الدور الرئيسي ويشكل المصدر القانوني الدولي الحديث، وقد شهد هذا العرف في بعض المجالات تطورًا مشهودًا، مثل قانون الفضاء وغيره.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>