لم يقتصر العرف في الاعتماد عليه وفي كونه مرجعًا يرجع إليه في الأحكام بين الأفراد والأشخاص، بل لعب دورًا كثيرًا من المجتمعات والدول، فقد كان العرف الدولي مصدرا أساسيًا من مصادر القانون الذي أثار إشكالات عديدة وقضايا كثيرة لم يكن لها أصل مدون في القانون ولا إجراءات مسطورة متبعة، وإنما كان المرجع في هذه القضايا السلوك المتبع والمنهج المطرد في مدة مديدة من الزمن أضفت على هذا السلوك اعتقادًا راسخًا جازمًا وفكرة قاطعة جعلت هذا السلوك قاعدة قانونية لعب هذا العرف في ظهور القانون الدولي دورًا كبيرا حتى أن المؤسسات الدولية المعروفة اليوم كانت في أول عهدها وبداية إنشائها مبادئ عرفية جرى عليها سلوك المعاملة بين الدول كقانون المعاهدات وقانون التجار والعلاقات الدبلوماسية، ثم لما تكاثر عدد الدول بعد المنخرطة أثر الحرب العالمية الثانية وتنوع انتماؤها الحضاري، واختلف منهجها السياسي أصبحت هذه الأعراف الدولية محل جدل وأخذ ورد ونقد خصوصًا من طرف الدول الاشتراكية ودول العالم الثالث، فظهرت المعاهدات وأمضيت الاتفاقات وتقلص دور الأعراف بهذه المعاهدات الممضاة والمحاورات والاتفاقات المدونات، لكن رغم كل هذا فما زال العرف يشكل أصلًا أساسيًّا من أصول القانون الدولي المعاصر، ولقد نصت المادة الثانية والثلاثين من اللائحة الأساسية لمحكمة العدل الدولي على العرف كأساس من الأسس الأصلية والاعتماد عليه يشهد لذلك عدم التفاضل بين العرف والمعاهدة من حيث اندراج القواعد القانونية إذ هما يشكلان مصدرين متساويين لا تفاضل بينهما بحيث يمكن لكل منهما أن ينسخ صاحبه، فيمكن للعرف أن ينسخ أصلًا مدونا ومعاهدة ممضاة بين دولتين، كما يمكن للمعاهدة أن تنسخ عرفا جرى بين الأمم.
وللعرف الدولي نزعتان مختلفتان جعل سلطة العرف إلزامية حسب إرادة الدول فهو إذن ملزم لأن الدول قررت ذلك بموجب اتفاق ضمني بينهما حول إلزاميته، لكن متى شاءت إحدى الدول أن تتحرر من هذا الالتزام كان لها ذلك حسبما تقتضيه نظرية الإرادة.
النزعة الثانية نزعة موضوعية ترجع إلزامية العرف إلى ذات القاعدة، فالعرف إذن قاعدة موضوعية لا تتوقف على إرادة الدول إذ هو ناشئ عن ضرورة الحياة المدنية منبعث من الحياة الاجتماعية وهي ضرورة منطقية.