للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذلك تابعوا على استفصال البينات القاضي الفشتالي، قال القاضي المكناسي في الشهادات من كتاب المجالس: إن العمل الآن جرى بالحكم بشهادة غير العدول وقال في أول الكتاب ما نصه: والعمل الآن بإعادة الشهود شهادتهم عند القاضي بمحضر عدلين يسمعان منهم سواء كان المشهود عليه حين الأداء حاضرًا أو غائبا وهو المعبر عنه بالاستفصال، وقد أحدث العمل به القاضي الفشتالي المتوفى في عشرة الثمانين بعد التسعمائة، وأما قبل ذلك فلم يجر به العمل، وما جرى به العمل في استفسار الشهود مراعاة لمصلحة تحقق الشهادة لما فشا من قبح حال وحيلة. فإن مر نصف عام من الأداء ترك هذا الاستفهام لأن مضي هذه المدة مظنة نسيان الشهادة (١) ومستند العمل في هذه المسألة على الضرورة، ومنها شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح والقتل وكشاهدة النساء في المآتم والأعراس إذا لم يوجد غيرهم، وقد قال ابن أبي زيد أما إذا لم نجد في جهة إلا غير العدول أقمنا أصلحهم وأقلهم فجورًا للشهادة عليهم ويلزم حلفه في القضاء لئلا تضيع المصالح، قال القرافي: ولا أظن أحدًا يخالف في هذا ولو أهدرت هذه الشهادة في الموضع الذي لا عدول فيه لما جاز للناس بيع ولا شراء ولا تم لهم عقد نكاح ولا غيرها من الأشياء التي تتوقف على الشهادة، وقد ذكر الشاطبي أن العدالة المعتبرة في كل زمان بأهله وإن اختلفوا في وجه الاتصاف بها، فإنما نقطع بأن عدالة الصحابة لا تساويها عدالة التابعين، وعدالة التابعين لا تساويها عدالة من يليهم وعدول كل زمان بحسبه، ولو لم نعتبر ذلك لم تكن إقامة ولاية تشترط فيها العدالة ولو فرض زمان انعدم منه العدول جملة ولم يكن بد من إقامة الأشبه فهو العدل في ذلك الزمان إذ ليس يجاز على قواعد الشرع تعطيل المراتب الدينية جملة لإفضاء ذلك إلى مفاسد عامة يتسع خرقها على الراقع ولا يلم شعثها، وهذا الأصل مستمد من قاعدة المصالح المرسلة (٢) وشهادة اللفيف كان لا يعمل بها إلا في الأموال وكان المشهود له يحلف مع اللفيف، وبمرور الزمان لم يعد المشهود له مطالبا بأداء هذا اليمين، ثم استقر رأي الفقهاء فيما بعد إلى إسناد الأمر للقاضي يقبل هذه الشهادة بحسب ما يراه من الأحوال والظروف ولم يعد مقتصرًا على الأموال فحسب، بل أعملت شهادة اللفيف في النكاح والطلاق والرضاع والتسفيه والترشيد وغير ذلك، قال السجلماسي: وقد كان العمل باللفيف يختلف باختلاف الأماكن، ومما كان مرجعه للعرف الحكم لولي القتيل دون شاهد مع اليمين وذلك لاستغنائها بقرائن الأحوال، فإذا أثبت القتل بالبينة أو بالإقرار كان قرينة تشهد بصدق دعواه إن كان يملك مثل ما ادعاه عليهم من دراهم وغيرها من الأمتعة وهذا ما استحسنه مطرف وابن كنانة وأشهب وبه قال ابن حبيب وعليه العمل. وفي التبصرة: ويقبل قول المدعي لرجحانه بالعوائد وقرائن الأحوال أو لاتصافه بالأمانة أو غير ذلك من وجوه الترجيح والقرينة هنا كون المدعى عليهم من أهل العداء والظلم وقتلهم صاحب المال، وقد قال الفقهاء إن من عرف بالظلم والتعدي يتقلب الحكم ضده وهو مذهب يحيى بن يحيى ومستندهم في ذلك قوله تعالى {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (٣)


(١) فتح الجليل الصمد في شرح التكميل والمعتمد المختصر بالعمليات الفاسية: ٤٥٣ – ٤٥٦
(٢) تبصرة ابن فرحون: ١ /٣٣٩
(٣) سورة الشورى: الآية ٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>