وعلى ما نقلناه ندرك أن الدية إنما تكون مما تعارفه الناس وجرت به عاداتهم فالقرى تدفع الدية فيها بالإبل وفي غيرها بالذهب والفضة، ولا شك أن اليوم إنما تدفع بالعملة المستعملة في كل بلد وهو ما يقتضيه العرف والعادة والله أعلم.
ومما انبنى على العرف رد الشهادة للتهمة التي اقتضتها العادة ومن هذا الباب رد شهادة أحد الزوجين للآخر ورد شهادة الأجير لمستأجره، وقد اختلف الفقهاء في شهادة أحد الزوجين فقال أبو حنيفة وأبو يوسف، ومحمد، وزفر، ومالك، والأوزاعي، والليث: لا تجوز شهادة واحد منهما للآخر، وقال الثوري: تجوز، وبه قال الشافعي ونظير شهادة أحد الزوجين شهادة الوالد للود والود للوالد، وذلك من وجوه أحدها تبسط كل واحد من الزوجين في مال صاحبه في العادة فما يثبته الزوج لزوجته بمثابة ما يثبته لنفسه كما لا فرق في مال الابن وكذلك شهادة الأجير غير جائزة استحسانًا وإن كان عدلًا.
هذا في الأجير الخاص، أما المشترك فتجوز، وقال مالك: لا تجوز شهادة الأجير لمن استأجره إلا أن يكون مبرزًا في العدالة وإن كان الأجير في عياله لم تجز شهادته له، وقال الثوري: شهادة الأجير جائزة إذا كان لا يجر إلى نفسه. وكذلك شهادة الخائن والخائنة وشهادة ذي العمر على أخيه، ورد شهادة القانع لأهل البيت وأجازها على غيرهم والقانع هو التابع، وقد قرروا في ذلك قاعدة، فقالوا: كل شهادة ردت للتهمة لم تقبل أبدًا مثل شهادة الفاسق إذا ردت لفسقه، ولا شك أن التهمة تظهرها وتبرزها العادة والعرف، ولذلك قال تعالى:{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}[سورة البقرة: الآية ٢٨٢] .
ومنها أيضًا الشهادة العرفية وهي شهادة عدد كثير من الناس لا تتوفر فيهم شروط العدالة المقررة بحيث يحصل العلم بها على وجه التواتر وتسمى شهادة اللفيف وهي على نوعين شهادة جماعة غير عدول على سبيل التواتر المفيد للعلم، وهذا خارج عن الشهادة العرفية، وقد وجد لدى الفقهاء المتقدمين، الثانية ما لا يحصل بخبرهم علم وهو الذي جرى به عمل المتأخرين وضلوا عليه لتعذر وجود العدول في كل وقت وفي كل نازلة فتضيع كثير من الحقوق واكتفوا برتبة هي دون الأولى للضرورة الداعية إلى ذلك حتى لا تهمل الحقوق، وجاء في العمليات العامة والعمل اليوم لأهل فاس على شهادة لفيف الناس.