للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يرجع إلى العرف في العقوبات التعزير وهو التأديب على الذنوب التي لم تشرع فيها الحدود لقد تركت الشريعة الإسلامية أكثر الجرائم فلم تقدر لها عقوبات محددة بل تركت أمرها إلى أولي الأمر نظرًا لاختلاف الجرائم شدة وخفة بحسب اختلاف الأزمنة والأمكنة والبيئات، وقد جاء في تعزير النساء ونشوزهن عن أزواجهن قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (١) .

فقد أمر الله بهجر الزوجة الناشز وضربها إذا لم ينفع معها الهجر ضربًا غير مؤذ وهذا الضرب والهجر مرجعه إلى العرف، وقد تكون التعازير نتيجة لاجتهادات الفقهاء والقضاة عند التضييق العملي، فقد ورد أن عليًّا جلا ونفى من البصرة إلى الكوفة أو منها إلى البصرة، وأن عمر نفى إلى البصرة وأن أبا حنيفة يرى قتل اللوطي، ويرى بعضهم حرقه بالنار ويرى بعضهم أن يلقى من أعلى مكان في المدينة (٢) ، وهذه الاجتهادات وتطبيقات القضاة تعتمد على ما تعارفه الناس وعلى أحوالهم وعاداتهم وبيئاتهم ومعلوم أن موجبات التعزيز أمران: (١) المعاصي بترك الواجبات كالامتناع من الصلاة أو الفطر في رمضان أو الامتناع من أداء الزكاة أو بممارسة الفعل المحرم كالزور والغش وإتيان المرأة في حيضها أو التعامل بالربا أو اللعب بالقمار أو إزعاج الناس وإقلاق راحتهم بإلقاء القاذورات في طريقهم وإحداث أصوات مزعجة وقت راحتهم ودرء المفسدة وجلب المصلحة كتأديب الصبيان للتعدي على حقوق الناس وإجلاء أهل القاتل عن موطن إقامتهم عند حدوث جريمة قتل كل هذه الواجبات توضح جليًّا وتبين أن التعزيز موكول إلى العرف وأحوال الناس واختلافهم بحسب الزمان والمكان والبيئات.


(١) سورة النساء: الآية ٣٤.
(٢) سبل السلام، للصنعاني:٤ /٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>