للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك خيال العيب تحديدًا يعد عيبًا، وما لا يعد عيبًا يعتمد على ما تعارفه الناس وأهل الاختصاص من التجار، وذلك أن مقتضى البيع يقتضي السلامة من العيوب وهو وصف مطلوب مقصود من المشتري ومرغوب عادة ومعلوم أن المطلوب عادة كالمشروط نصًّا وفي تفسير العيب الذي يوجب الخيار مما لا يوجبه اعتمد في ذلك على العرف بحيث إذا كان عرفًا يوجب نقصان الثمن في عادة التجار نقصًا فاحشًا يؤثر في الثمن فهو عيب وإن كان يسيرًا بحيث لا يؤثر في الثمن لا يعتبر عيبًا موجبًا، ولقد تقصى الفقهاء الأمثلة الكثيرة على ذلك معتمدين على العرف بين الناس وقد بسط القول فيها السرخسي في مبسوطه والكاساني في البدائع وكذلك كتب بقية المذاهب والقاعدة في ذلك كما قال صاحب الهداية: كل ما أوجب نقصان الثمن في عادة التجار فهو عيب لأن الضرر بنقصان المالية وذلك بانتقاص القيمة والمرجع في معرفته عرف أهله (١) ، ولقد أكد الإمام أحمد بن حنبل على اعتبار العرف في بيان العيب حتى ذهب إلى أن ما يعده العرف عيبًا يعد عنده عيبًا يستوجب الخيار وإن لم تنقص به قيمة المبيع (٢) ، ويستوي في ذلك العرف العام والخاص في تطبيق أحكام الخيارات في الشرط أو العيب أو غيرهما وفي خيار الرؤية يكتفي برؤية ما يفيد العلم بالمقصود عرفًا لتعذر رؤية الكل فإذا تشابهت الدور النموذجية أو عرف الدار يكتفي برؤية أحدها عرفًا أما إذا اختلفت فله أن يقف على كل بيت بخصوصه وكذلك يكتفي برؤية نموذج من معرفة أوصاف المبيع المستورد وكذلك في رؤية بعض ما لا تتفاوت أحاده كالكيلي والوزني والعدد المتقارب، ومن هذا أيضًا البيع على البرنامج والحاصل أن ما يفيد العلم بالمقصود مفوض إلى العرف.

ومما يرجع للعرف الوصية بالمنافع وهي تمليك المنفعة تمليكًا مضافًا إلى ما بعد الموت بطريق التبرع ويثبت للموصى له حق الانتفاع بالعين الموصى بمنفعتها بعد وفاة الموصي كأن يوصي بغلة بستان أو بحق سكنى، فهذه هي الوصية بالمنافع وأحكامها إنما تقام على العرف، فالعرف هو الذي يحدد الثمرة بالإطلاق على الموجود، وكذلك الغلة يحددها العرف بالإطلاق على ما يتجدد كل سنة ففي الثمرة لا تجدد وفي الوصية بالغلة يتجدد سنويًّا وفي الوصية بسكن الدار يحدد العرف جواز سكناها بنفسه أو معه عائلته وجواز إسكانها غيره بغير عوض لأن الإنسان له أن يملك مثل ما ملك لا أكثر، أما بعوض فلم يجز الشرع ذلك اعتمادًا على العرف وهو الفرق بين ملك المنفعة وملك الانتفاع، والعرف هو الذي يعين ما يجب على المنتفع من العناية بحفظ العين المنتفع بها وصيانتها من التلف والإنفاق عليها ودفع الرسوم عنها والضرائب وإن كانت شجرًا، فالعرف هو الذي يعين بما تتحقق العناية بها من سقاية وتقليم وكرب أرض، وهكذا بحسب ما جرى به العرف بين الناس وكان عليه التعامل.


(١) الهداية:٣ /٢٧
(٢) المغني، لابن قدامة: ٤ /١٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>