للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد بني الحكم الشرعي فيها على فعله صلى الله عليه وسلم فيخير واعتمد على تعامل الناس فيها وتعارفهم على ذلك فكانت إجازتهما بمقتضى النص الملاحظ فيه العف، ونجد في كثير من الأحكام المتعلقة بهما بأركانهما وشرائط صحتهما أو أنواع الفاسد منهما مبنية على العرف والتعامل، فمن ذلك ما نص عليه من أن كل ما كان من عمل المساقاة مما يحتاج إليه الشجر من السقي وإصلاح النهر والحفظ والتلقيح للنخل فعلى العامل لأنها من توابع المعقود عليه فيتناولها العقد، وكل ما كان من النفقة على الشجر والكرم والأرض من السماد وتقليب الأرض ونصب العرائش ونحو ذلك، فعلى صاحبها لأن العقد لم يتناوله ومبني ما يتناوله العقد لما ذكر وأنه من توابع العقد، كل ذلك مرجعه إلى ما جرى به العرف.

ومما كان مرجعه إلى العرف خيار الرؤية وخيار العيب فإن كثيرًا من الخيارات المقررة في الإسلام تعتمد على ما تعارفه الناس لا سيما التجار منهم كخيار الرؤية وخيار الشرط، وخيار العيب وخيار النقد، وخيار التعيين وخيار الكمية، وخيار كشف الحال، وحقيقة خيار الرؤية يثبت لمن اشترى شيئا ولم يره أن يفسخ العقد إذا رآه أو أن يمضيه وخيار الشرط أن يشرط الخيار لأحد المتعاقدين أو كليهما بفسخ العقد أو إمضائه إلى مدة معلومة وخيار العيب، وهو الخيار للمشتري أن يفسخ العقد أو يمضيه إذا ظهر في المبيع عيب قديم وخيار النقد هو ما إذا اتفقا على أن يؤدي المشتري الثمن في وقت كذا وإن لم يؤده فلا عقد بينهما صحَّ البيع وجاز فسخ العقد إذا لم يؤد الثمن، وخيار التعيين وهو حق المشتري في أن يأخذ أيًّا شاء من القيميات التي بين البائع أثمانها كلا على حدة وللبائع أن يبيعه ما يشاء أيضا وخيار الكمية كما لو اشترى شيئا بما في جيبه. أو محفظته من النقود دون بيان مقدارها، فإن للبائع الخيار عندما يعرف مقدارها وخيار كشف الحال ما في البيع بمكيال أو بوزن حجر لا يعرف مقداره بالوحدات الميزانية المعروفة، فإن للمشتري الخيار متى علم مقدار سعة المكيال أو وزن الحجر ويظهر هذا واضحًا في مشروعية خيار الشرط فقد ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط)) وإنما جاز استحسانًا ودليل جوازه أن حبان بن منفذ بن عمرو الأنصاري كان يغبن في البيع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا بعت فقل لا خلابة ولي الخيار ثلاثة أيام)) ، والجواز إنما لاستحسان الضرورة ومبناه على العرف والحاجة، وقد اختلف في مدة خيار الشرط فأبو حنيفة تمسك بما ورد في النص لأن شرط الخيار يخالف مقتضى العقد الذي هو البت واللزوم، وإنما جاز مخالفته للقياس لما جاء في هذا الحديث فيقتصر على المدة المذكورة فيه وتنتفي الزيادة عليها، وقال الصاحبان بجواز الزيادة إذا سمى أحد المتعاقدين مدة معلومة، ولو لشهرين وأكثر لأن الخيار إنما شرع للتروي ليندفع الغبن، وقد تمس الحاجة إلى أكثر من ثلاثة أيام كالتأجيل في الثمن فإنه أيضًا جائز على خلاف القياس قصرت المدة أو طالت وبقبولها، قال أحمد بن حنبل واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: ((المسلمون عند شروطهم)) ، وقال مالك: إذا كان المبيع لا يبقى أكثر من يوم كبعض الأطعمة لا يزيد الخيار عن يوم وإن كان المبيع ثمينًا بحيث يعرف المشتري إن كانت المصلحة في أخذه أو تركه إلا في أكثر من ثلاثة أيام جاز أن يشترط أكثر لأنه شرع للحاجة وليس من يشتري دارًا، كمن يشتري الخضروات، وقال الشافعي بما قال به أبو حنيفة وأرجح الآراء عندي هو مذهب مالك لأنه هو الذي يتماشى مع ما تعارفه الناس، وتحمل النصوص المحددة بثلاثة أيام في قضية حبان على أن حاجته كانت ثلاثة أيام وقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنه أنه أجاز خيار الشرط إلى شهرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>