للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قال ابن نجيم: إن بيع الوفاء صحيح لحاجة صحيح لحاجة الناس إليه فرارًا من الربا فأهل بلخ اعتادوا الدين والإجارة وهي لا تصح في الكرام وأهل بخارى اعتادوا الإجارة الطويلة ولا يمكن في الأشجار، فاضضروا إلى بيعها وفاء وما ضاف على الناس أمر إلا واتسع حكمه وخلاصة القول؛ الحنفية أباحوا بيع الوفاء استنادًا إلى العرف العام الذي يقع به تخصيص النصوص الظنية ويقيد المطلقات.

عقود الانتفاع:

ومنها الإجارة وهي في الأصل لا تصح لأنها تمليك منفعة معدومة في العقد على المعدم منهي عنه، ولكن الشارع أجازها استحسانًا مبنيًّا على العرف لحاجة الناس إليها وقد تعارفوا العمل بها وقد أجيزت بالكتاب بقوله تعالى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (١) .

وبالسنة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من استأجر أجيرًا فليعلمه أجره)) ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه)) ، رواهما البخاري، وانعقد الإجماع على جوازها، وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس يؤاجرون ويستأجرون وعرفهم قائم على ذلك فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اشترطوا فيها شروطًا وهي أن تكون المنفعة معلومة وكذلك الأجرة علمًا مزيلًا للجهالة الفاحشة قطعًا للمنازعة وأن تكون المنعة مما جرى العرف بمثلها فإذا كانت دابة مثلا لم يجز له أن يضر بها كأن يسير بها سيرًا حثيثًا عنيفًا، وإذا كانت دارًا لم يجز أن يباشر فيها أعمالًا توهن بناءها والمرجع في ذلك كله للعرف في الاستعمال لقاعدة المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا.

ومنها المزراعة وهي عقد على الزرع ببعض الخارج بين المالك والمزارع وكذلك المساقاة وهما عقدان لم يجزها أبو حنيفة وأجاز الشافعية المساقاة والمزارعة تبعًا للمساقاة وأجازهما مالك بشروط منها: المساواة بين المالك والعامل في الربح وأجازهما الحنابلة والصاحبان لأبي حنيفة وعلى هذا ينفسخ العقد بموت صاحب الأرض أو العامل المزارع أو المساقي سواء قبل العمل والزراعة أو بعدها وسواء أكان الزرع أو الثمر قد آن حصاده وجنيه أم لا، ولكن إذا مات صاحب الأرض قبل نضج الزرع تترك الأرض بيد المزارع إلى الحصاد مراعاة لمصلحة الطرفين وإذا مات العامل فلورثته المضي في العمل إلى الحصاد، وقد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على نصف ما يخرج من تمر وزرع وأدنى درجات فعله عليه الصلاة والسلام الجواز وهي شريعة متوارثة لتعامل السلف والخلف على ذلك من غير إنكار أما أبو حنيفة فيرى فسادها ويستدل بما رواه رافع بن خديج، قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعًا نهانا إذا كان لأحدنا أرض أن نعطيها ببعض الخارج ثلثه أو نصفه، وقال عليه السلام: ((من كانت له أرض فليزرعها أو يمنحها أخاه)) والفتوى على قول صاحبيه لحاجة الناس ولكن السلف تعاملوا بهما فصارت شريعة متوارثة وقضية متعارفة وفي الهداية بعد أن رد على من يجيز المزارعة، قال: والفتوى على قولهما لحاجة الناس إليها ولظهور تعامل الأئمة بها والقياس يترك بالتعامل بها في الاستصناع (٢) .


(١) سورة الطلاق: الآية ٦.
(٢) الهداية للمرغياني: ٨/ ٤٠، اللباب شرح الكتاب، للقدوري: ص ٢٠٦

<<  <  ج: ص:  >  >>