وكذلك الاستصناع وهو عقد على المبيع في الذمة مطلوب عمله وهو عقد على معدم وعلى ما ليس عند الإنسان، فالقياس منعه ولكن الحاجة دعت إليه وقد تعارفه الناس وجرى عليه التعامل فنزل ما يستصنع منزلة الموجود لحاجة الناس إليه وهو في الواقع فيه معنى عقدي السلم والإجارة لأن السلم عقد على مبيع في الذمة وعلى استئجار للصناع وشراطهم العمل وما اشتمل على عقدين جائزين كان جائزًا، نص على ذلك الكاساني في بدائع الصنائع وما جرى به العرف في الاستصناع جاز وما لم يجرِ العرف فيه لم يجز، ويصح الاستصناع عند المالكية والشافعية والحنابلة على أساس عقد السلم وعرف الناس ويشترط فيه ما يشترط في السلم، ومن شروطه تسليم جميع الثمن في مجلس العقد ومن شروطه بيان جنس المصنوع ونوعه وقدره وصفته لأنه مبيع ولا بد من أن يكون معلومًا والعلم يحصل بذلك، وأن يكون مما جرى فيه التعامل بين الناس كالأواني والأمتعة والأحذية والفرق بين الاستصناع والسلم أن الاستصناع وإن كان كالسلم في كونه بيع المعدوم للحاجة والتعامل بين الناس فإن هناك فرقًا منها أن المبيع في السلم دين تحملته الذمة من مكيل أو موزون أو معدود متقارب، أما البيع في الاستصناع فهو عين لا دين كاستصناع حذاء أو خياطة ثوب، ثانيا: عقد السلم لازم وعقد الاستصناع غير لازم، ثالثًا: من شرط السلم الأجل وليس كذلك الاستصناع عند أبي حنيفة، رابعا: يشترط في السلم قبض رأس مال السلم في مجلس العقد ولا يشترط قبضه في الاستصناع.
وبيع الوفاء ويختص بالعقار دون المنقول وهو من باب بيع وشرط وهو بيع المحتاج إلى النقود على أنه متى وفَّى بالعين استعاد العقار، ولقد تردد هذا العقد بين البيع والرهن وهو ممنوع عند المالكية لأنه من بيع الشيء المنهي عنه، ورأت الشافعية أن يصح العقد والشرط إن كان فيه مصلحة لأحد العاقدين كالخيار والأجل والرهن والكفالة ويبطل البيع إن كان الشرط منافيًا مقتضى العقد مثل أن لا يبيع المبيع ولا يهبه، وهذا لما ذهب إليه المالكية وذهبت الحنابلة إلى أنه لا يبطل البيع بشرط واحد فيه منفعة لأحد المتعاقدين ويبطل بشرطين لقول النبي صلى الله عليه وسلم:((ولا يحل سلف ولا بيع ولا شرطان في بيع ولا بيع ما ليس عندك)) رواه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
وبناء على هذا أجمع العلماء على أنه لا يجوز اشتراط مع أحد المتعاقدين إذا عزم مشترط عليه فإن أسقط الشرط جاز البيع عند المالكية وامتنع عند الجمهور. وأجاز الحنفية بيع الوفاء قالوا: نلجأ إلى هذا النوع من البيع هروبًا من الربا واضطرارهم إلى الاستدانة وإحجام أصحاب الأموال عن الاقتراض الحسن فتعاملوا بذلك على نفع الدائن عن طريق لا ربا فيه، قال النسفي اتفق مشائخ زماننا (يعني فقهاء سمرقند في القرنين الخامس والسادس) ، على صحته بيعًا على ما كان عليه بعض السلف فجعلوه بيعًا جائرًا مفيدا بعض أحكامه وهو الانتفاع به، دون البعض، وهو البيع لحاجة الناس إليه وتعاملهم به فكل قاعدة قد تترك بالتعامل. وفي شرح الأشباه أن ما ثبت به عرف عام لا خاص فيكون هذا العرف مخصصًا لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط، قال ابن عابدين في الدر المختار: إنه بيع يفيد الانتفاع به وعليه الفتوى، وقال جامع الفصولين: بيع الوفاء رهن في الحقيقة لا يملكه ولا ينتفع به إلا بإذن مالكه وهو ضامن لما أكل من تمره، وأتلف من شجره واختار الزيلعي أن بيع الوفاء هو عقد قائم بنفسه له أحكام خاصة به للعرف وحاجة الناس (١) .
(١) رد المحتار على الدار المختار: ٤ / ٢٥٧، جامع الفصولين والزيلعي على الكنز: ٥ / ١٣٨