للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سادسا: هدايا الخطبة، لقد اختلفت المذاهب في الهدايا التي يقدمها الخطيب لمخطوبته إذا كان ما هداه قائما في يدها ولم يوجد مانع من استرجاعه كالخاتم والساعة ونحوها، فإنه يرتجعها وإذا كانت مما تستهلك فلا ترجع، والجعفرية قالوا باستردادها مطلقا ولو هلكت فيسترد قيمتها، وكذلك الشافعية يرون حق الرجوع في الهدية مطلقا سواء أكان العادل عن الخطبة الخاطب أو المخطوبة، أما المالكية فلهم في ذلك تفصيل مرجعه إلى العرف وهو منع الخاطب من استرداد ما أهداه إلى مخطوبته إن كان العدول منه، أما إذا كان العدول عن الخطبة من جانبها فله حق استرداد ما قدمه مما هو قائم بعينه واسترداد قيمته أو مثله إن هلك ما لم يكن مما يستهلك كالحلويات ونحوها، ويرجع ذلك كله إلى العرف والى عادات الناس وما لم يكن هناك شرط، وذلك لقاعدة أن المعروف عرفا كالمشروط شرطًا فإذا كان هناك عرف عام أو خاص في هذه الهدايا حكم العرف فيها، ولقد أقامت قوانين الأحوال الشخصية أحكامها في ذلك على ما جرى به للعمل في المذهب المالكي في كثير من الأمصار.

ومنها الكفاءة في الزواج روى الدارقطني أن عمر بن الخطاب قال: لأمنعن تزوج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء، ولا شك أن اعتبار الكفاءة مكمل للمقصود من الزواج إذ به تنتظم مصالح الزوجين وتأسيس القربات، وقد ذهب جماعة إلى عدم اشتراط الكفاءة في الزواج إلا في الدين منهم الإمام الكرخي من الحنفية والحسن البصري وابن حزم ومستندهم حديث: الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على أعجمي إنما الفضل بالتقوى، كما يشهد لذلك أيضا قوله تعالى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [سورة الحجرات: الآية ١٣] .

ورد ذلك بأن التساوي راجعة إلى الحقوق والواجبات، أما في غيرها مما تقام على أعراف الناس وعاداتهم فلا شك أن الناس يتفاوتون فيها ويتفاضلون في الرزق والثروة والوظائف وغيرها، وقد قال تعالى: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} [سورة النحل: الآية ٧١] .

وكذلك يتفاضلون في العلم، قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} وما زال الناس يتفاوتون في منازلهم الاجتماعية ومراكزهم الأدبية وهو مقتضى الفطرة الإنسانية وشريعة الله لا تصادم الفطرة والأعراف والعادات التي لا تخالف أصول الدين ومبادئه، ومذهب الجمهور أن الكفاءة شرط في لزوم الزواج لا شرط صحة فيه لمجموعة من الأدلة: منها حديث الترمذي والحاكم ثلاثة لا تؤخر، الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت لها كفوءًا. ثانيًا: ما رواه الدارقطني والبيهقي عن جابر بن عبد الله: لا تنكحوا النساء إلا الأكفاء، وحديث الدارقطني عن عائشة وعمر: لأمنعن تزوج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء (١)


(١) نقل هذه الأحاديث الشوكاني في كتابة نيل الأوطار: ٦ / ١٢٧

<<  <  ج: ص:  >  >>