للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي:

بسم الله الرحمن الرحيم

حين سمعت فضيلة الأخ الشيخ عبد الله بن بيه أثر فِيَّ كلامه لأنه قاله بإخلاص وتجرد وحرارة، ولكن كاد هذا ينسيني الأمر فقهًا، فلا شك أنه من الأولى والأورع والأفضل ألا يأخذ الإنسان أي مقابل بالنسبة لحقوق التأليف، ولكن هذا شيء - مرتبة الفضل شيء ومرتبة العدل شيء آخر - صحيح أن أئمتنا السابقين ما كانوا ليجيزوا مثل هذا أو بعضهم لأنهم اختلفوا في كثير من الأمور أيضًا، يعني بعضهم قبل جوائز السلطان وبعضهم لم يقبل، وبعضهم عاش حياة مرفهة وبعضهم عاش حياة خشنة، فهم يتفاوتون في هذا الأمر كذلك، ولكن نحن الآن في وضع مغاير للوضع السابق، الآن الأمر لم تعد عملية الكتاب مجرد تأليف - شخص يؤلف كتابًا - إنما هي صناعة يشترك فيها كما قال فضيلة الشيخ المختار - المؤلف والناشر والطابع والموزع، ومن هنا يعني أنا أوافق الحقيقة وقد سبقني الإخوة بقياس هذا الأمر على ما اختلف فيه من قضية الأذان والإمامة والخطابة والوعظ والتدليس فهذه قد اختلف فيها من قليل وكثير ممن منعوها قديمًا أجازوها في العصور المتأخرة منهم الحنفية، فأئمة المذهب ومشايخه السابقون منعوها ثم جاء المتأخرون فأجازوها حفظًا لمصلحة المسلمين، وهذه شبيهة بها، هي أشبه شيء بها تمامًا، وكما قال الإخوة: إننا نحن الآن نعمل في الجامعات ونعلم أبناء المسلمين العلوم الشرعي ونتقاضى على ذلك رواتب وأجورًا فهذه من هذه، وأذكر ههنا كلمة للإمام أبي محمد بن أبي زيد القيرواني صاحب الرسالة، حينما اتخذ في بيته - كان في الأطراف على ما يبدو - كلبًا للحراسة، فقيل له: أتتخذ كلبًا وقد كرهه مالك؟ فقال: لو كان مالك في زماننا لاتخذ أسدًا ضاريًا، فنحن في زمن غير زمن مالك رضي الله عنه، وغير زمن ابن حنبل، والذين قالوا: كيف تأخذون حقوق التأليف وذهبوا وأخذو كتبنا وربحوا فيها واستفادوا منها، لو كانوا يوزعونها مجانًا فهذا معقول؟ وأنا فعلًا إذا كان هناك جمعية خيرية أو إنسان يريد أن يتبرع بطبع كتاب ونشره، فأرى أنه لا يجوز لإنسان أن يأخذ حقًّا عليه في هذه الحالة، أما وقد دخل دائرة التجارة فهنا للمؤلف حق، خصوصًا أن كثيرا من الناس يعيشون على مثل هذا الأمر، يعني ليس كل الناس موظفين، هناك أناس يعيشون للعلم، وهو يتعيش مما يرد عليه من تأليف كتبه، لأن الكتاب هو نتيجة جهد مختزن لعدة سنين، فهذا الجهد يأخذ عليه مقابلًا وهو من العدل، هو تشجيع لأهل العلم أن يبذلوا، والإنسان قد يتكلف في التأليف، التأليف ليس مجرد فكرة تخطر، قد يتكلف في هذا أنه يكون مكتبة تتكلف كذا، وأن يكون له سكرتارية، أن يطبع هذا على الآلة الكاتبة، كل هذه تتكلف تكاليف، أليس من حقه أن يأخذ مقابلًا على ذلك؟ كان الأقدمون يمكن أن يقدم الكتاب للأمير أو السلطان فيعطيه وزنه ذهبًا أو نحو ذلك، فالآن الأمور تغيرت، صحيح أن الذي يجب أن نقف ضده ونحذر منه هو الاستغلال لهذه المؤلفات، هناك المذكرات الجامعية للطلاب بأضعاف قيمتها مستغلين حاجتهم إلى ذلك باسم حقوق التأليف. مثل هذا ينبغي أن يمنع ويحرم، أما إذا كان أمر التأليف على ما هو عليه وعلى ما جرى عليه، يعني علماء عصر من غير نكير كما يقول علماؤنا، يعني هذا أمر جرى عليه الجميع تقريبًا، لا أكاد أجد من يقول لا آخذ شيئًا جرى عليه هذا دون نكير فأصبح عرفًا عامًّا.

ولذلك هذه القضية الحقيقة أنها من القضايا التي تثار دائمًا باسم من سئل عن علم فكتمه وإلى آخره، ولكن ليس هذا من كتمان العلم ولا من السؤال لأنه ليس هناك من يسأل فيمنع الجواب. وشكرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>