للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زمن التقويم ومكانه:

إذا كنا قد رجحنا اعتبار القيمة في النقود الورقية حينما يكون هناك فرق شاسع بين القوة الشرائية لها عند إنشاء العقد وثبوتها في ذمة المدين، وبين إرادة ردها، فأي وقت نعتبر؟ هل نعتبر قيمة النقد يوم إنشاء العقد؟ وهل نعتبر مكان العقد؟ أم مكان الرد؟

والذي نرجحه هو رعاية القيمة يوم إنشاء العقد وقبض المعقود عليه ومكانه، أي تقوم النقود الورقية يومئذ كم كانت تساوي من الذهب، أو كم يشتري بها من السلع الأساسية، ثم على أساسها يرجع الدين، أو يوفي بما التزم به من مهر، أو ثمن المبيع الآجل أو غير ذلك، فلو دفع رجل قبل عشر سنوات (أي في ١٩٧٧) لآخر مائة جنيه أو باع له أرضا بها، أو كان مهر زوجته مثل هذا المبلغ فالآن يقوم المبلغ المذكور على أساس عام (١٩٧٧) كم يشتري به من الذهب، أو من السلع على ضوء أحد المعيارين السابقين، أو متوسط ما يشترى به من الذهب والسلع الأساسية، فلو كان هذا المبلغ المذكور في وقته كان يشترى به بقرة مثلا، فجيب عليه أن يرد مبلغا يشترى به بقرة، أو كان يشترى به عشرون غراما من الذهب عيار (٢١) فيجب عليه أن يرد ما يشترى به هذا القدر – وهكذا – إلا إذا تراضيا بالمعروف.

ويشهد لذلك أن جمهورا من العلماء ذهب إلى اعتبار القيمة في الفلوس، والنقود المغشوشة، حتى النقود الخالصة عند كسادها أو انقطاعها ذهبوا إلى أن المعتبر هو يوم إنشاء العقد والقبض، ومكانه، قال المرغيناني: (إذا اشترى سلعة وترك الناس التعامل بها ... قال أبو يوسف: عليه قيمتها يوم البيع، وقال محمد: قيمتها آخر ما تعامل الناس بها، ثم علل أبو يوسف ذلك بأن الضمان إنما تم بالبيع، وهو سببه فلابد إذن من اعتباره) (١) وقد رجح الكثيرون من الأحناف رأي أبي يوسف، قال المرغيناني: (وقول أبي يوسف أيسر) فعلق عليه ابن الهمام، والبابرتي فقالا: (لأن القيمة يوم القبض معلومة ظاهرة لا يختلف فيها بخلاف ضبط الانقطاع، فإنه عسر فكان قول أبي يوسف أيسر في ذلك) (٢) قال ابن عابدين: (وفي المنتقى إذا غلت الفلوس قبل القبض، أو رخصت ... ، قال أبو يوسف عليه قيمتها من الدراهم يوم وقع البيع ويوم وقع القبض ... ، وعليه الفتوى، هكذا في الذخيرة والخلاصة.. فحيث صرح بأن الفتوى عليه في كثير من المعتبرات فيجب أن يعول عليه إفتاء وقضاء) (٣)


(١) الهداية مع فتح القدير: ٧/١٥٤.
(٢) فتح القدير، مع شرح العناية على الهداية: ٧ /١٥٨ – ١٥٩
(٣) رسالة النقود: ٢/٦٠ – ٦١

<<  <  ج: ص:  >  >>