للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معيار التغير الفاحش:

قبل أن نذكر هذا المعيار نرى فقهاءنا الكرام قد وضعوا عدة معايير لمقدار الغبن الفاحش الذي يعطي الخيار في الفسخ عندما يقع في البيع ونحوه.

يقول القاضي ابن العربي، والقرطبي وغيرهما: (استدل علماؤنا بقوله تعالى {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} (١) على أنه لا يجوز الغبن في المعاملة في الدنيا، لأن الله تعالى خصص التغابن بيوم القيامة ... وهذا الاختصاص يفيد أنه لا غبن في الدنيا فكل من اطلع على غبن في مبيع فإنه مردود إذا زاد على الثلث واختاره البغداديون ... ، وأن الغبن في الدنيا ممنوع بإجماع ... ، إذ هو من باب الخداع المحرم شرعا في كل ملة، لكن اليسير لا يمكن الاحتراز عنه لأحد، فمضى في البيوع ... ) .

ثم إن العلماء قد ثار الخلاف بينهم في تحديد الغبن الفاحش، فمنهم من حدده بما زاد على قيمة الشيء بالثلث، وبعضهم بنصف العشر، وبعضهم بالسدس، وذهب جمهورهم إلى معيار مرن قائم على ما يعده عرف التجار غبنا، وهذا الأخير هو الذي رجحناه (٢) ونرجحه هنا أيضا في باب تقويم النقود الورقية، فما يعده التجار في عرفهم غبنا فهو غبن هنا أيضا، وإذا اختلفوا فالقاضي يحكم بما يرتاح إليه حسب الأدلة والظروف والملابسات التي تحيط بالقضية بعينها.


(١) التغابن: ٢٩.
(٢) يراجع: رسالتنا الدكتوراه بكلية الشريعة بالأزهر: مبدأ الرضا في العقود، ط دار البشائر الإسلامية: ١/٧٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>