للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* الأمر الثالث: القياس على كسر النقد، أو تلف بعض أجزائه، وهذا القياس لصالحنا حيث إن التضخم الذي أصاب معظم النقود فسره الباحثون الاقتصاديون بقطع العملة إلى نصفين أو أكثر، يبقى جزء منها في جيب الدولة، وجزؤها الآخر عند المستهلك، وذلك لأن الدولة تصدر من النقود الورقية أكثر مما لديها من وسائل نمو الاقتصاد والثروة.

فعلى ضوء ذلك فالرخص الفاحش في النقود الورقية هو بمثابة الكسر وتلف بعض أجزاء النقود المعدنية، لأن العبرة بالقيمة والقدرة الشرائية وهي قد اهتزت.

هذا وقد نقل صاحب الدرر السنية عن شيخ الإسلام ابن تيمية قوله: (بأن اختلاف الأسعار مانع من التماثل، وقاس مسألة تغير النقود على كسادها، بناء على أن كون الكساد عيبا يكمن في كونه نقصا في القيمة، لأنه ليس عيبا في ذات النقد من حيث النقص في عينه، حيث إن القدر لم يتغير، وإنما هو باعتبار أن الكساد يترتب عليه نقصان في القيمة لا غير) ، ثم عقب صاحب الدرر على ذلك بقوله: (إن كثيرا من الأصحاب تابعوا الشيخ تقي الدين – أي ابن تيمية – في الحاق سائر الديون بالقرض، وأما رخص الأسعار فكلام الشيخ صريح في أنه رد القيمة أيضا ووهو الأقوى) (١) .

وهذا الرأي الذي اختاره شيخ الإسلام في عصره للنوازل الواقعية فيه جدير بالقبول، وحري بالترجيح في المسألة التي نحن بصدد بحثها، فعلى ضوء هذا الرأي، والآراء التي سبقته لأبي يوسف، وبعض علماء المالكية نكون قد وجدنا أرضية ثابتة، ومنطلقا جيدا للرأي الذي نرجحه وهو رعاية القيمة في نقودنا الورقية عند التغير الفاحش.


(١) الدرر السنية في الأجوبة النجدية / ط. دار الافتاء بالرياض: ٥/١١٠

<<  <  ج: ص:  >  >>