للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرأي المختار:

إن القول الأول للمالكية يتفق مع رأي الفريق الأول من الفقهاء في جزئية وهي، أن المشتري في المسألة المختلف فيها يخير بين إمضاء العقد وفسخه في حالة بقاء المبيع، أما في حالة هلاكه، فالظاهر من رأي الأحناف ومن وافقهم في الرأي، أنه لا شيء للمشتري بعد ذلك لفوات المحل، إلا أن المالكية قد أعطوه حقًا عندما قالوا: بأنه لا يلزم إلا بدفع الأقل من ثمن المبيع وقيمته بدون ربح، معنى هذا أننا قد حفظنا للمشتري حقه ولو بعد هلاك المبيع، جبرا لما أصابه من ضرر، فإن البائع قد غشه عند كتمانه ما ينبغي بيانه له.

والحنابلة وإن كانوا قد التفتوا إلى هذه الجزئية في القول الذي حكاه ابن المنذر عن أحمد، إلا أن قول المالكية يبدو لي أوجه مما قاله غيرهم، لذا يكون قولهم الأول هو المختار.

حكم ما لو ذكر البائع ثمنا لمبيعه ثم ادعى الغلط:

لو أن البائع ادعى ثمنا لمبيعه كأن قال اشتريته بمائة دينار وباعه مرابحة، ثم ادعى الغلط في الثمن، فزعم بأن الثمن الحقيقي هو مائة وعشرة، فما هو الحكم عندئذ؟

الجواب على ذلك: أن المشتري في هذه الحالة إما أن يصدق البائع في ادعائه الغلط أو يكذبه به، ولكل حالة من هاتين الحالتين حكمها الخاص بها.

حكم ما إذا صدق المشتري البائع:

إذا صدق المشتري البائع في قوله غلطت في ثمن المبيع، فللفقهاء عندئذ قولان في صحة إمضاء المرابحة أو عدم صحتها.

١- ذهب الشافعية في أصح القولين عندهم كما ذكر النووي إلى القول: ببطلان المرابحة في هذه الحالة للأسباب التالية:

أ- لقد تعذر إمضاء العقد بسبب الزيادة التي ادعاها البائع المتبوعة بربحها.

ب – أن العقد لا يحتمل الزيادة بخلاف النقصان فإنه معهود بدليل أن البائع لو أخذ أرش عيب أصاب المبيع، للزمه حطه من الثمن (١) .

٢ – الرأي عن المالكية، هو صحة المرابحة وتنقص الزيادة التي غلط بها البائع وصار بمثابة ما لو غلط المشتري بالزيادة ولا فرق عندهم في مثل هذه الحالة بين تصديق المشتري للبائع أو إثباته ذلك بالبينة، ويخير المشتري بين رد السلعة وأخذ ما دفعه، أو دفع ما تبين أنه الثمن الصحيح للمبيع وربحه، هذا إذا كانت السلعة قائمة، فإن تغيرت بزيادة أو نقص، خير المشتري كذلك بين دفع الثمن الحقيقي للمبيع وربحه أو دفع قيمته إذا كان المبيع قيميًا أو مثله في المثلي، ويعتبر في القيمة والمثل يوم البيع لا يوم القبض، لأن العقد صحيح، بشرط أن لا تنقص القيمة عند المبلغ الذي غلط به البائع مع ربحه، فإن نقصت، تعين على المشتري إذا اختار إمضاء العقد دفع الغلط وربحه (٢) .

وإلى هذا ذهب الشافعية في رأيهم الثاني، وقد اعتبره الشربيني أصح القولين، إلا أنهم يختلفون عن المالكية في إعطاء حق الخيار، فهم يقولون بتخيير البائع لا المشتري بين إمضاء العقد أو فسخه (٣) .

وفي مذهب الحنابلة ما يؤيد هذا الرأي أيضا (٤) .


(١) مغني المحتاج ٢/٧٩،٨٠
(٢) الشرح الكبير: ٣/١٦٨، وانظر حاشية الدسوقي بنفس الموضع
(٣) الشربيني في مغني المحتاج ٢/٧٩،٨٠
(٤) ابن قدامة في المغنى ٤/١٤٢

<<  <  ج: ص:  >  >>