للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكم الخيانة في صفة الثمن:

ذكرنا فيما سبق حكم الخيانة في المرابحة إذا ظهرت في مقدار الثمن، ونقف الآن على حكمها عند الفقهاء فيما لو حدثت في الصفة، مثال ذلك: أن يشتري البائع المبيع نسيئة، ثم يبيعها مرابحة دون أن يوضح ذلك للمشتري، أو كان قد صالح به من دين على إنسان، فأخفى ذلك عن المقابل، فالحكم في هذه المسائل وأمثالها كما يأتي:

أولا: الرأي عند فقهاء الأحناف (١) والشافعية (٢) . ورواية عن الحنابلة (٣) ، أن المشتري إذا اطلع على خيانة في صفة الثمن، خير بين أخذ المبيع بالثمن المتفق عليه في العقد وبين رده، بمعنى أن البائع غير ملزم برد شيء مقابل تدليسه الأمر على المشتري، والبيع صحيح، إلا أن نفاذه موقوف على رأي المشتري، دليلهم في ذلك ما يأتي:

أ – إن البائع قد دلس الأمر على المشتري فثبت له الخيار.

ب- إن المرابحة عقد مبني على الأمانة، إذ المشتري قد اعتمد البائع وائتمنه فيما أخبره به، ولما كانت الأمانة مطلوبة في عقد المرابحة، كانت صيانة العقد عن الخيانة مشروطة دلالة، ففواتها يوجب الخيار للمقابل كفوات وصف السلامة من العيب.

ج- إن أحجام البائع عن كشف حقيقة الأمر للمشتري، دليل على عدم رضا البائع بذمة المقابل، وقد تكون ذمته دون ذمة مالك المبيع، فهو غير ملزم ببيع المبيع بأجل كما اشتراه، فعليه لا يلزم بالحط من الثمن مقابل الأجل شيئا، وكل ما في الأمر أن يخير المشتري بين إبقاء العقد أو فسخه.

ثانيًا: حكى ابن المنذر عن أحمد قولا آخر ذكر فيه أن المبيع إذا كان باقيا بيد المشتري، خير بين أخذه بأجل بقدر الأجل الذي كان للبائع على مدينه قبل استيفاء الدين، وبين فسخ العقد. وإن كان قد استهلك حبس المشتري الثمن بقدر الأجل، وهذه هي وجهة نظر شريح القاضي أيضا (٤) .

دليل هذا الرأي: أن البيع قد وقع على البائع بهذه الصفة فيجب أن يكون للمشتري أخذ المبيع بمثل تلك الصفة، وصار بمثابة ما لو أخبر بزيادة الثمن، فإن الزيادة هناك تحط عن القيمة، كذلك الحال هنا.

وقد أجيب عما قيل بأن البائع قد لا يرضى بذمة المشتري، بأن ذلك لا يمنع نفوذ البيع ولا يلتفت إلى رضا البائع كما هو الحال في حط الزيادة التي أخبر بها، فكما لا عبرة برضاه هناك كذلك الأمر هنا، والواجب هو الرجوع إلى ما وقع به البيع الأول.

ثالثًا: حكى ابن عرفة عن المالكية قولين في المسألة، أحدهما: أن المبيع إذا كان قائما، فالمشتري بالخيار بين إمضاء العقد بالثمن الذي اتفق عليه وبين رد المبلغ، وأما لو هلك أو استهلك، فالمشتري يلزم بالأقل من الثمن والقيمة نقدا بدون ربح، فعلى هذا الرأي يكون البيع صحيحا ويكون البائع غاشا في كتمانه الأجل.

والرأي الآخر، إن البيع فاسد في مثل هذه الحالة، وعليه يتعين على المشتري رد المبيع إن كان قائما وعند فواته يدفع الأقل من الثمن والقيمة (٥) .


(١) البدائع ٧/٣٢٠٩
(٢) مغني المحتاج ٢/٧٩
(٣) ابن قدامة في المغني ٤/١٤١
(٤) انظر ابن قدامة في المغني ٤/١٤١
(٥) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ٣/١٦٥ وانظر المدونة ٤/٢٣١

<<  <  ج: ص:  >  >>