للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلاف فرعي بين أصحاب الرأي الأول:

بعد أن اتفق الفريق الأول من الفقهاء، على حط قدر الخيانة من ثمن البيع في المسألة المذكورة آنفا، اختلفوا في القول، بإعطاء حق خيار فسخ العقد للبائع والمشترى أو سلبه منهما في مثل هذه الحالة.

١- القول الأظهر عند الشافعية بناء على حط قدر الخيانة من الثمن، أنه لا خيار لأي عاقد منهما، وذلك للأسباب التالية:

أ- أما المشتري فلأنه قد رضي بالأكثر ثمنًا، فلأن يرضى بالأقل بعد الحط يكون من باب أولى.

ب- أما البائع فلتدليسه ولأنه باع المبيع برأس ماله الأصلي وحصته من الربح، وقد حصل له ذلك فعلا.

جـ- إن المسألة هنا تشبه ما لو اشترى رجل شيئا على أنه معيب فبان سليما أو وكل في شراء عرض معين بمائة دينار مثلا فاشتراه بتسعين، فكما لا خيار للمشتري في مثل هذه الحالة، كذلك الحال هنا أيضا (١) .

وهذا هو ظاهر كلام الخرقي من الحنابلة أيضا (٢) .

وبمثل هذا قال أبو يوسف من الحنيفة (٣) .

٢- نص الحنابلة في كتبهم على أن المشتري بعد طرح الزيادة من الثمن، يخير بين أخذ المبيع برأس ماله الأصلي وحصته من الربح، وبين تركه، حكى ذلك ابن قدامة عن الإمام أحمد، دليل هذا الرأي هو:

أ- أن المشتري بعد إطلاعه على خيانة البائع قد لا يأمن الجناية في هذه الثمن أيضا.

ب – من المحتمل أن يكون للمشتري غرض في الشراء بذلك الثمن بعينه، إما لكونه حالفا على الشراء بمثل هذه الثمن أو ربما يكون وكيلا في ذلك أو غير هذا (٤) .

وإلى هذا ذهب الشافعية في الرأي الثاني لهم، وقد ذهبوا في هذا الرأي إلى القول: بإعطاء البائع حق الخيار أيضا، لأنه لم يسلم له القدر الذي سماه في العقد، فكان له الخيار (٥) .

خلاصة الأراء واختيار الراجح منها:

لقد ظهر لنا من خلال بحثنا لمسألة الخيانة في ثمن المرابحة أن الاتفاق قد حصل بين الفقهاء على أن المبيع إذا هلك أو استهلك أو أحدث به المشتري ما يمنع فسخ العقد، فالبيع لازم ولا خيار للمشتري في هذه الحالة. وقد اختلفوا فيما لو بقي المبيع على حاله على رأيين:

ذهب أصحاب الرأي الأول إلى وجوب إهدار الزيادة من ثمن المبيع، إلا أنهم اختلفوا فيما بينهم إذا كان البيع نافذًا بحق المتعاقدين أو يخير كل منهما بين إمضاء العقد أو فسخه، في حين: خير أصحاب الرأي الثاني المشتري بين إمضاء العقد وفسخه دون أن يقولوا الخيانة التي ظهرت في الثمن.

والذي أختاره هنا هو رأي الفريق الأول لرجحان أدلتهم من جهة ولأن بالإمكان تلافي الخلل الذي طرأ على العقد، وذلك بإهدار الخيانة التي ظهرت في ثمن المبيع.

وبخصوص تخيير العاقدين بعد حط الزيادة أو اعتبار العقد نافذًا عليهما، فالذي أرجحه هو عدم إعطاء الخيار لأي عاقد، ذلك للأدلة التي استدل بها أصحاب هذا الرأي.


(١) مغنى المحتاج ٢/٧٩ وانظر المغنى ٤/١٣٦، ١٣٧
(٢) ابن قدامة في المغنى ٤/١٣٦، ١٣٧
(٣) البدائع ٧/٣٢٠٩
(٤) ابن قدامة في المغنى ٤/١٣٦، ١٣٧
(٥) الخطيب الشربيني مغنى المحتاج ٢/٧٩

<<  <  ج: ص:  >  >>