للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكم الخيانة في المرابحة – الخيانة في قدر الثمن:

إذا قال البائع للمشتري: اشتريت هذا المبيع بمائة دينا وبعتك إياه بربح كذا، ثم ظهر أنه قد اشتره بتسعين، فالمبيع في هذه الحالة لا يخلو من أحد أمرين، إذ أنه إما أن يكون قائمًا في يد المشتري ولم يحدث به ما يمنع الفسخ أو لا، بأن يكون المشتري قد استهلك المبيع أو هلك بنفسه أو أحدث به ما يمنع الفسخ، فإن كان مما تنطبق عليه الحالة الثانية، فلا خيار للمشتري ويلزمه جميع الثمن، لأن المبيع إذا لم يكن بحالة تصلح لفسخ العقد، لم يكن في ثبوت الخيار فائدة، فيسقط كما هو الحال بالنسبة لخيار الرؤية والشرط (١) .

وإن كان المبيع بحال يصلح للفسخ، فقد اختلف الفقهاء في حكم المبيع في هذه الحالة، وذلك على النحو الآتي:

أولا: ذهب بعضهم إلى القول: بأنه يحط قدر الزيادة التي ظهرت في الثمن وما يقابله من الربح، دليل هذا الرأي هو:

أ- أن تمليك المشتري للمبيع قد تم باعتماد الثمن الأول، فتخصم الزيادة عنه كما في الشفعة إذا أخذها الشفيع بما أخبر به المشتري ثم أطلع على حقيقة الثمن، فإنه يأخذها بالثمن الأصلي، وكأن العقد لم يبرم إلا بما بقي من الثمن.

ب- أن الثمن الأول الذي سمي في العقد أصل في بيع المرابحة، فإذا ظهرت الخيانة، تبين أن التسمية قدر الخيانة غير صحيحة، فألغيت وبقي العقد لازما بالثمن الباقي.

ج- قاس أصحاب هذا الرأي المسألة المذكورة على المبيع إذا ظهر به عيب، فإن المشتري له الرجوع على البائع بمقدار ما يقابل العيب من الثمن، وكذلك الحال فيما لو اطلع المشتري على خيانة في المرابحة بعد العقد، هذا هو القول الأظهر عند الشافعية (٢) ، وبه قال الحنابلة (٣) ، وأبو يوسف من الحنفية (٤) .

ثانيا: القول عند أبي حنيفة ومحمد بن الحسن هو: أنه لا يحط شيء من الثمن وأن المشتري بالخيار إن شاء أخذ المبيع بجميع الثمن وإن شاء ترك، ووجه قولهما كما ذكره الكاساني هو:

أ- أن المشتري قد رضي بإبرام العقد بعد معرفته لثمن المبيع وتصديقه البائع بمقداره، فإذا ظهر له خلاف ذلك، فلا يلزم بدونه، ويثبت له الخيار لفوات وصف السلامة عن الخيانة، كما ثبت له فيما لو فاتت السلامة عن العيب إذا ظهر بالمبيع عيب.

ب- إن الخيانة في المرابحة لا تخرج العقد عن كونه مرابحة، لأنها عبارة عن بيع بالثمن الأول مع زيادة ربح، وهذا موجود بعد الخيانة، لأن بعض الثمن رأس مال وبعضه ربح، فينطبق التعريف على البيع، وكل الذي حصل هو أن الثمن المذكور في العقد ليس بالثمن الأصلي للمبيع مما أحدث خللًا في رضا المشتري، فيثبت له الخيار كما لو ظهرت الخيانة في صفة الثمن بأن كان نسيئة ونحو ذلك (٥) .

وإلى هذا ذهب الشافعية في القول الثاني، معللين ذلك، بأن المشتري قد سمى العوض في العقد وقد تم الاتفاق على هذا الأساس، والبيع صحيح على القولين عندهم، لأن تغرير البائع بالمشتري لا يمنع الصحة كما لو كان باعه شيئا معيبا (٦) .

وبمثل هذا قال المالكية أيضا إلا أنهم انفردوا بالقول: بأن البائع لو حط ما كذب به من زيادة الثمن وربحه، فالبيع يلزم المشتري وإلا فله الخيار (٧) .


(١) انظر البدائع ٣٢٠٧/٧، المدونة ٢٣٧/ ٤
(٢) انظر مغني المحتاج ٧٩/٢
(٣) ابن قدامة في المغني ١٣٦/٤
(٤) انظر الكاساني في البدائع ٣٢٠٩/٧
(٥) انظر الكاساني في البدائع ٣٢٠٩/٧
(٦) الخطيب الشربيني مغني المحتاج ٢/٧٩
(٧) انظر الخرشي ١٧٩/٥

<<  <  ج: ص:  >  >>