ويميز ابن عابدين رحمه الله بين أن يكون عقد التأمين معقودا في دار الحرب مع المؤمن الذي يسميه (صاحب السوكرة) وأن يكون معقودا في دار الإسلام؛ فعدم جواز اخذ التعويض مقصور على الحالة الثانية التي يعقد فيها السوكرة في دار الإسلام حيث تطبق عليه أحكام الإسلام، أما إذا كان التأمين معقودا في دار الحرب وأرسل صاحب السوكرة بعد هلاك البضاعة مبلغ التعويض إلي صاحبها التاجر الذي في دار الإسلام فإن أخذه عندئذ حلال لأنه أخذ لمال حربى برضاه دون غدر ولا خيانة وليس بعقد فاسد معقود في دار الإسلام حتى يكون خاضعا لأحكام ديننا.
وقال ابن عابدين أيضا "إن كان العقد في بلادنا والقبض في بلادهم، فالظاهر أنه لا يحل أخذه ولو برضا الحربي لابتنائه على العقد الفاسد الصادر في بلاد الإسلام، فيعتبر حكمه".
فابن عابدين يرى أن عقد التأمين البحري الذي كثر السؤال عنه في زمانه لا حكم له إذا عقد في بلد غير إسلامي عقده مسلم أو غيره. وإذا عقد في بلد إسلامي كان عقد معاوضة فاسدا لا يلزم الضمان به لأنه التزام ما لا يلزم شرعا، وفساد العقد كان للفساد في أحد بدليه لأنه لا سبب للضمان شرعا، وله في حل أخذ مال البدل بمقتضي هذا العقد التفصيل السابق، وإذا كان ابن عابدين لم يكن له رأي إلا في التأمين البحري. فان مذهبه فيه يقضى حتما بأن يكون هذا حكم سائر أنواع التأمين لأنه لا يوجد فيها سبب شرعي للضمان فيكون التزام ما لا يلزم، ويكون العقد في هذه الأنواع عقدا فاسدا إذا عقد في دار الإسلام بين مستأمنين، أو ذميين أو مسلمين، أو اختلط طرفاه. ولا يحل لمسلم أخذ البدل بمقتضاه، وإذا عقد في بلد غير إسلامي لم يكن له حكم، ويحل للمسلم اخذ البدل بالرضا لا بالتقاضي.
(ب) في مجموع الرسائل؛ في رسالة (أجوبة محققة عن اسئلة مفرقة) للعلامة محمد ابن عابدين صاحب الحاشية، جاء في هذه الرسالة (١) ما نصه: (وسئلت؛ في رمضان سنة أربعين ومائتين وألف عما إذا جرت العادة بين التجار أنهم يستأجرون مركبا من مراكب أهل الحرب لحمل بضائعهم وتجارتهم ويدفعون للمراكبي الحربي الأجرة المشروطة وتارة يدفعون له مبلغا زائدا على الأجرة لحفظ البضائع بشرط ضمان ما يأخذه أهل الحرب منها، وانه أن اخذوا منه شيئا فهو ضامن لصاحبها جميع قيمة ذلك، فاستأجر رجل من التجار رجلا حربيا كذلك ودفع له مبلغا تراضيا عليه على انه أن أخذ أهل الحرب منه شيئا من تلك البضاعة يكون ضامن من الجميع ما يأخذونه، فسافر بمركبه فأخذه منه بعض القطاع في البحر من أهل الحرب فهل يلزمه ضمان ما التزم حفظه وضمانه بالعوض؟ أم لا؛ فأجبت، الذي يظهر من كلامهم عدم لزوم الضمان.. الخ وذكر ما ذكر في حاشية المختار في قرابة صفحتين وبعض الثالثة فلا حاجة إلي التكرار.
(١) مجموع الرسائل ج٢ص١٧٧ وما بعدها، وابن عابدين وأثره في الفقه الدكتور الفرفور ك. تب البحث ج٢ ص٢٥٠ وما بعدها