للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التأويل الثالث: أي لا تيأسوا من المغفرة عند ارتكاب المعاصي، فلا تتوبوا، وهذا قول البراء بن عازب، وقال محمد بن سيرين وعبيدة السلماني: الإلقاء إلى التهلكة هو القنوط من رحمة الله تعالى. قال أبو قلابة: هو الرجل يصيب الذنب فيقول: قد هلكت، ليس لي توبة. فييأس من رحمة الله وينهمك في المعاصي فنهاهم الله تعالى عن ذلك، كما قال الله تعالى: {إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (١) .

التأويل الرابع: أي لا تتركوا الجهاد في سبيل الله فتهلكوا، وهذا قول أبي أيوب الأنصاري، وقد تقدم ما روي بشأنه.

التأويل الخامس: إنها التقحم في القتال من غير نكاية في العدو، وهو الذي تأوله القوم الذين أنكر عليهم (٢) . أبو أيوب الأنصاري، وأخبر فيه بالسبب، وهذا قول أبي القاسم البلخي (٣) . وبين ابن العربي أن معنى الآية على هذا الرأي: (لا تدخلوا على العساكر التي لا طاقة لكم بها) .

وقد اختلف العلماء في اقتحام الرجل في الحرب وحمله على العدو وحده إلى آراء:

الأول: وهو رأي القاسم بن مخيمرة، والقاسم بن محمد وعبد الملك من علماء المالكية، قالوا: لا بأس بأن يحمل الرجل وحده على الجيش العظيم إذا كان فيه قوة، وكان لله بنية خالصة، فإن لم يكن فيه قوة فذلك من التهلكة.

الرأي الثاني: قيل إنه طلب الشهادة وخلصت نيته فليحمل على العدو؛ لأن مقصوده واحد منهم، وذلك بين في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ} .

الرأي الثالث: يقول ابن خويز منداد: فإما أن يحمل الرجل على مائة، أو على جملة العسكر أو جماعة اللصوص والمحاربين والخوارج، فلذلك حالتان:

الأولى: إن علم وغلب على ظنه أن سيقتل من حمل عليه وينجو فحسن، وكذلك لو علم وغلب على ظنه أن يقتل، ولكن سينكي نكاية أو سيبلي، أو يؤثر أثراً ينتفع به المسلمون فجائز أيضاً (٤) .


(١) الآية: ٨٧ من سورة يوسف.
(٢) أحكام القرآن للجصاص: جـ١ ص ٣٢٧
(٣) تفسير الماوردي: جـ١ ص ٢١٢
(٤) ج١ ص ١٢٨ ولم ينص القرطبي على الحالة الثانية ولكنها واضحة، وهي أنه في غير هاتين الصورتين الجائزتين لا يجوز إلقاء النفس في الهلكة

<<  <  ج: ص:  >  >>