للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانياً: معنى قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} .

(أ) يقول الماوردي: (في الباء قولان: أحدهما أنها زائدة وتقديره: ولا تلقوا أيديكم إلى التهلكة، ونظيره قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} (١) .

وقال المبرد: {بِأَيْدِيكُمْ} أي: بأنفسكم، فعبر بالبعض عن الكل، كقوله تعالى: {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} .

وقيل: هذا ضرب مثل، تقول: فلان ألقى بيده في أمر كذا إذا استسلم؛ لأن المستسلم في القتال يلقي سلاحه بيده، فكذلك كل عاجز في أي فعل كان، ومنه قول عبد المطلب: (والله إن إلقاءنا بأيدينا للموت لعجز) .

والقول الثاني: إن الباء غير زائدة، أي: ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة، كما تقول: لا تفسد حالك برأيك.

(ب) والتهلكة (بضم اللام) مصدر من هلك يهلك هلاكاً وهلكاً وتهلكة، أي: لا تأخذوا فيها يهلككم، قاله الزجاج وغيره.

(جـ) ما ورد من تفسير للآية:

الآية فيها ستة تأويلات:

أحدها: إن لم تنفقوا في سبيل الله تعالى عصيتم الله تعالى فهلكتم بالإثم، أي: لا تتركوا النفقة في سبيل الله؛ فإن الله يعوضكم منها أجرا ويرزقكم عاجلاً، وهذا قول ابن عباس وحذيفة، وسبيل الله طريقه الذي أمر أن يسلك فيه إلى عدوه من المشركين بجهادهم وحربهم، فقد روي عن ابن عباس قال في هذه الآية: قال ليس ذلك في القتال، إنما هو في النفقة، أن تمسك بيدك عن النفقة في سبيل الله، ولا تلق بيدك إلى التهلكة.

وقال الضحاك بن أبي جبير: كانت الأنصار يتصدقون وينفقون من أموالهم، فأصابتهم سنة، فأمسكوا عن النفقة في سبيل الله فنزلت: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (٢) .

وعن ابن عباس فإن لم يكن لك إلا سهم أو مشقص أنفقه.

التأويل الثاني: أي لا تخرجوا بغير زاد فتهلكوا بالضعف، يشهد له قوله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} .

وهو قول زيد بن أسلم، قال: (لا تسافروا في الجهاد بغير زاد، وقد كان فعل ذلك قوم فأداهم ذلك إلى الانقطاع في الطريق، أو يكون عالة على الناس) .


(١) الآية: ١٤ من سورة العلق.
(٢) ابن كثير: ج١ ص ٢٢٩، والماوردي

<<  <  ج: ص:  >  >>