للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول القرطبي أيضاً: (ذلك) إشارة إلى القتل؛ لأنه أقرب مذكور، قاله عطاء، وأضيف إلى ذلك أن كل ما أخذناه من الآية من معان، وما أفادته من أحكام، كل من يفعله عدواناً وظلماً أي قصداً وعمداً، لا سهواً وخطأ يحق عليه أن يصلى النار.

يقول ابن كثير: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا} أي ومن يتعاطى ما نهاه الله عنه معتدياً فيه، ظالماً في تعاطيه، أي عالماً بتحريمه متجاسراً على انتهاكه فسوف نصليه ناراً، وهذا تهديد شديد، ووعيد أكيد، فليحذر منه كل عاقل لبيب ممن ألقى السمع وهو شهيد) .

الآية الثانية: قال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (١) .

قال البخاري: حدثنا إسحاق أخبرنا النضر، أخبرنا شعبة عن سليمان سمعت أبا وائل عن حذيفة {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قال:

نزلت في النفقة ... وروي عن ابن عباس ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وعطاء، والضحاك، والحسن، وقتادة والسدي ومقاتل بن حيان نحو ذلك.

وقال الليث بن سعد: عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران قال: حمل رجل من المهاجرين بالقسطنطينية على صف العدو حتى خرقه، ومعنا أبو أيوب الأنصاري، فقال ناس: ألقى بيده إلى التهلكة، فقال أبو أيوب: نحن أعلم بهذه الآية، إنما نزلت فينا، صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهدنا معه المشاهد، ونصرناه، فلما فشا الإسلام وظهر اجتمعنا معشر الأنصار تحبباً فقلنا: قد أكرمنا الله بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، ونصره، حتى فشا الإسلام، وكثر أهله، وكنا قد آثرناه على الأهلين والأموال والأولاد، وقد وضعت الحرب أوزارها، فنرجع إلى أهلينا وأولادنا فنقيم فيهما، فنزل فينا {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} فكانت التهلكة في الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد) (٢) .

إلا أنه من المعلوم أن سبب النزول لا يخصص عموم النص، وإنما النص يشمل سبب النزول، كما يشمل غيره.. ومن هنا وجدنا عدة تفسيرات لهذه الآية.

ونبرزها فيما يلي:


(١) يراجع القرطبي جـ٢ ص ٣٦٣ والطبري: جـ٢ ص ١١٢ وابن كثير جـ١ ص ٢٢٨ والجصاص ج١ / ص ٣٢٦، وابن العربي: جـ١ ص ٤٩
(٢) رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وعبد بن حميد في تفسيره، وابن أبي حاتم وابن جرير وابن مردويه، والحافظ أبو يعلى في مسنده وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه، كلهم من حديث يزيد بن أبي حبيب به، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب، وقال الحاكم: على شرط الشيخين ولم يخرجاه، يراجع ابن كثير.

<<  <  ج: ص:  >  >>