للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأورد ابن مردويه عند هذه الآية الكريمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها بطنه يوم القيامة في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً)) . وفي الصحيحين: ((من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة)) . وفي الصحيحين أيضاً عن جندب بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كان رجل ممن كان قبلكم، وكان به جرح فأخذ سكيناً فجر بها بيده، فما رقأ الدم حتى مات، قال الله عز وجل:عبدي بادرني بنفسه، حرمت عليه الجنة)) (١) .

ومن هذه التفاسير للآية الكريمة نأخذ ما يلي:

أولاً: أن الإنسان يجب عليه أن يحافظ على حياته، ويجب عليه ألا يقدم نفسه بقصد منه للقتل في الحرص على الدنيا وطلب المال.

(فإذا قصد ذلك كان فعله حراماً، وكان آثما وكان قاتلاً لنفسه، وإننا نرى الآن أن تقديم الأعضاء للآخرين احتوى غالباً على نظر دنيوي عماده ما يقدمه الآخذ للمعطي من مال أو ما يحرزه من وراء ذلك من كسب.

ثانياً: أن حمل النفس على الغرر المؤدي إلى الهلاك ممنوع شرعاً أخذاً من هذه الآية الكريمة.

والغرر في اصطلاح العلماء، هو ما تردد بين السلامة والعطب) (٢) .

وهل استئصال عضو من إنسان لينتفع به شخص لا يجعل المتبرع في مرحلة التردد بين السلامة والعطب؟

نعم المتبرع، مهما تقدم الطب، هو في أثناء استئصال عضوه، هو في مرحلة الغرر المؤدي للهلاك، أي مرحلة التردد بين السلامة والعطب، فيكون هذا العمل ممنوعاً أيضاً ومحرماً، وفاعله يكون آثماً، وإنه إن مات بسبب ذلك في الحال أو في المآل كان قاتلاً لنفسه، أو ملقياً لنفسه في التهلكة، وبعد استئصاله أيضاً يكون معرضاً لفشل العضو الباقي.


(١) ابن كثير ج١ ص ٣٧٩، القرطبي ج٥ ص ١٥٦، والجصاص: جـ٢ ص ٢٢١ والنسفي: ج١ ص ١٧٢
(٢) يراجع نظرية الشرط أ. د/ حسن الشاذلي في الشرط المؤدي إلى الغرر.

<<  <  ج: ص:  >  >>