يقول العز بن عبد السلام ج٢ ص ٨٥:(وأسباب الضرر أقسام:
أحدها: ما لا يتخلف سببه عنه ـ إلا أن يقع معجزة لنبي أو كرامة لولي ـ كالإلقاء في النار وشرب السموم المذففة، والأسباب الموجبة، فهذا ما لا يجوز الإقدام عليه في حال اختيار ولا في حال إكراه؛ إذ لا يجوز للإنسان قتل نفسه بالإكراه، ولو أصابه مرض لا يطيقه لفرط ألمه لم يجز قتل نفسه....
والقسم الثاني: ما يغلب ترتب مسببه عليه، وقد ينفك عنه نادراً فهذا أيضاً لا يجوز أيضاً الإقدام عليه؛ لأن الشرع أقام الظن مقام العلم في أكبر الأحوال.
القسم الثالث: ما لا يترتب مسببه إلا نادراً، فهذا لا يحرم الإقدام عليه لغلبة السلامة من أذيته، كالماء المشمس في الأواني المعدنية في البلاد الحارة، فإنه يكره استعماله مع وجدان غيره خوفاً من وقوع نادر ضرره، فإن لم يجد غيره تعين استعماله لغلبة السلامة من شره؛ إذ لا يجوز تعطيل المصالح الغالبة بوقوع المفاسد النادرة.
كذلك فإن بقاء الحياة مع الإيثار أمر لا بد من أن يكون مراعى، فإذا أقدم إنسان في مخمصة على إعطاء ما ينقذ حياته إلى غيره، لينقذه من مخمصة كان آثماً؛ لأنه ألقى نفسه في التهكلة، وذلك منهي عنه بنص الآية الكريمة.
فالإيثار يكون فيما يمكن للإنسان الصبر عليه مع بقاء حياته، لا بما ينقذ حياته. والأحاديث الشريفة السابقة تدل على ذلك، وهو بصيغة الأمر: (ابدأ بنفسك) .