للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أ- عقد العلاج الطبي عقد بيع:

كان عمل الطبيب قديمًا تركيب الأدوية ووصفها للمرضى الذين يشترونها منه، فإذا جاء المريض وشخصه الطبيب باعه ما يصلح حاله من أدوية يركبها بنفسه له، فهذا في حقيقته عقد بيع المثمن فيه الدواء وما يدفع المريض من ثمن هو لذلك الدواء، والتشخيص تابع لذلك ليس له ثمن مستقبل، ومثل هذا العقد موجود في معاملات الناس في يومنا هذا فيما يفعله بعض الصيادلة من وصف الدواء وبيعه على المريض بعد أن يبين الأخير له ما يشكو منه، ولا يثير مثل هذا النوع من المعاقدة إشكالًا إذ أنه مستوفٍ لشرائط الصحة في البيوع، لكنه لا ينهض بحاجات الناس إلى العلاج من المرض.

ب- عقد العلاج الطبي عقد إجارة:

وكان مما يقوم بها الأطباء في الزمان القديم خدمات ينتفع بها المريض، مثل الحجامة أو كحل العين أو الكي ونحو ذلك، وقد خرجوه في هذه الحالة على الإجارة وجعلوا الطبيب أجيرًا يستحق من الأجر بقدر ما يتراضى عليه مع المستأجر وهو المريض، ويمكن أن يكون عقدًا لمرة واحدة أو عقدًا متجددًا، كأن يأتي كل يوم ليكحل عين المريض فإذا برأ أخذ بمقدار ما كحل المريض، وربما كان لمدة محددة كشهر أو نحوه.

قال ابن قدامة في المغنى: (ويجوز أن يستأجر كحالًا يكحل عينه، لأنه عمل جائز ويمكن تسليمه، ويحتاج أن يقدر ذلك بالمدة، لأن العمل غير مضبوط فيقدر به، ويحتاج إلى بيان قدر ما يكحله مرة في كل يوم أو مرتين) (١) .

وجاء في المدونة: (قال ابن القاسم: وأنا أرى أنْ أشترط أن يكحله كل يوم أو كل شهر فإن ذلك جائز إذا لم ينقده فبرأ قبل ذلك، كان للطبيب من الأجر بحساب ذلك، (قال) إلا أن يكون صحيح العين واشترط عليه أن يكحله كل شهر بدرهم يكحله كل يوم فهذا لا بأس به، لأن هذا قد لزم كل واحد منهما ما اشترط، فالإجارة فيه جائزة) .

وفي نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: (ولو شرط لطبيب ماهر أجرة وأعطى ثمن الأدوية فعالجه بها فلم يبرأ استحق المسمى إن صحت الإجارة. . . وليس للعليل الرجوع بشيء، لأن المستأجر عليه المعالجة دون الشفاء بل إنْ شرطه بطلت الإجارة، لأنه بيد الله تعالى، ثم إن جاعله عليه صح ولم يستحق المسمى إلا بعد ظهوره) .

فعقد العلاج الطبي عندما يكون إجارة فمحله هذه الخدمة التي يقدمها الطبيب له، وإن كان معها أدوية كانت الأدوية في عقد بيع مستقل.


(١) ٦/١٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>