١٥- المعاقدة على العلاج الطبي وموقع التأمين الصحي منها:
إن الحقيقة التي لا مراء فيها أن غرض الإنسان من المعاقدة مع الطبيب هو البرء مما يشكو منه من مرض ولا يتصور له غرض غير ذلك ولو كان الأمر بيد المريض لما تعاقد مع الطبيب إلا على البرء، لكن المرض والبرء منه شيء يصعب جعله محلًا لعقد معاوضة، لصعوبة التحقق من وجوده أو الشفاء منه. ولذلك لا يقبل الأطباء أن يكون العوض في عقد العلاج شيئًا لا يمكن التأكد من وجوده أو وقوعه، إذ الأمر فيه راجع إلى المريض.
فالمشكلة الأساسية في هذا النوع من المعاقدة هي أن المعلومات الدقيقة عن محل العقد متاحة لطرف واحد فقط هو المريض، فلو جاء المريض يشكو من ألم الظهر فعالجه الطبيب، فإن الأخير لا يعرف إن كان المريض برء مما يجد إلا أن يخبره بذلك، فإذا ربط استحقاق العوض بالبرء لم يكن الطبيب متأكدًا من حصوله على الأجر إلا أن يكون المريض أمينًا صدوقًا، إذ بإمكانه الادعاء أن الآلام لا زالت موجودة، ولذلك يتفق الناس في عقد العلاج الطبي على أن يكون المحل شيئًا يمكن التأكد من وقوعه من قبل الطرفين، مثل أن يكون محله التشخيص ووصف الدواء المناسب، أو إجراء عملية جراحية ونحو ذلك، مع بقاء الغرض النهائي للمريض هو البرء من المرض.
لا ريب أن عقد العلاج الطبي من أكثر عقود المعاوضات غموضًا وصعوبة، وليس أدل على ذلك من أن القانون الفرنسي حتى عهد قريب لم يكن يعتبر ما يقع بين المريض والطبيب عقدًا لصعوبة تطويع العلاقة بينهما في عقد مسمى، وأن المطلوب من الطبيب هو (تحقيق نتيجة) وليس (بذل عناية) فقط (١) .
لقد تعامل الناس في القديم، ولا زالوا يتعاملون حتى يوما لناس هذا بأنواع من عقود العلاج، وسوف نقوم أدناه بعرض سريع لأهمها لنرى فيما بعد موقع عقد التأمين الصحي من تلك العقود: