للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤- قانون الأعداد الكبيرة:

ما كان للتأمين بصورته المعاصرة أن يظهر لولا اكتشاف ما سمي في علم الإحصاء: قانون الأعداد الكبيرة، ذلك أن سر التأمين ينكشف في الإجابة عن السؤال: كيف يؤدي تجميع المخاطر على مستوى مجموعة من الأفراد (وهو عمل شركة التأمين) ؛ إلى تقليل المخاطر التي يواجهها كل فرد من تلك المجموعة (وهو غرض المستفيد من التأمين) إنه قانون الأعداد الكبيرة (أو قانون المتوسطات) .

يعود اكتشاف هذا القانون إلى عدة قرون مضت عندما لاحظ الرياضيون في القرن السابع عشر في أوروبا عند إعدادهم لقوائم الوفيات؛ أن عدد الموتى من الذكور والإناث من كل بلد يميل إلى التساوي كلما زاد عدد المسجلين في القائمة. وقد أصبحت دراسة هذه الظاهرة جزءًا من علم الإحصاء عندما كتب عنها سيمون بواسان وسماها: قانون الأعداد الكبيرة لما بدا له من أنها تشبه نواميس الطبيعة، وقانون الأعداد الكبيرة يتعلق باستقرار تكرار بعض الحوادث عند وجود عدد كافٍ منها، مع أنها تبدو عشوائية لا ينتظمها قانون إذا نظر إليها كل واحدة على حدة.

مثال ذلك: مصيبة الموت؛ فهي تبدو خبط عشواء لا يمكن التنبؤ بوقوعها على فرد بعينه، ولكننا لو تحدثنا عن عدد الوفيات التي ستقع خلال العام الحالي في مدينة جدة، على سبيل المثال، لأمكن –بناء على الخبرة السابقة- أن نتوقع عدد الوفيات بشكل دقيق (إذا سارت الأمور على طبيعتها) . نحن نعلم أن القول بأن أحدًا لن يموت خلال العام في مدينة يسكنها أكثر من مليون أمر لا يقبل، وإذا استثنينا الكوارث والمصائب العامة والتغير الكبير في عدد السكان فإن الاحتمال الأكبر أن عدد الوفيات هذا العام لن يختلف كثيرًا عن الأعوام السابقة إذا كان لدينا عددًا كافيًا من أعوام سابقة نستخرج منه متوسطًا، هذا القانون هو الأساس الذي يقوم عليه التأمين.

إن الاستحالة التي تبدو قطعية عند محاولة توقع حادثة معينة تنقلب إلى ما يشبه اليقين إذا كان ما نحاول توقعه هو عدد كافٍ من الحوادث المشابهة. فنحن لا نستطيع أن نعرف إن كان زيدا أو عمرا سيتعرض لحادث اصطدام في سيارته، لأن ذلك في علم الغيب، ولكننا نستطيع أن نعرف بشكل بالغ الدقة كم عدد الناس الذي سيتعرضون لحوادث السيارات فيف مدينة جدة خلال السنة القادمة، اعتمادًا على وجود عدد كافٍ من السنوات التي نستطيع منها أن نستنتج ما نريد بناء على قانون الأعداد الكبيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>