قيل: إن النفقات نفقات استهلاكية ونفقات رأسمالية ونفقات طويلة الأمد. هي نفقات جارية- بالتعبير الجاري المعروف- ونفقات رأسمالية. الأهم من هذا أنه قيل اليوم: إنه تطرح النفقات الاستهلاكية لمن يقول بطرحها أما النفقات الرأسمالية أو الاستثمارية فلا تطرح. هذا كلام أيضا بعيد عن الحياة المالية والاقتصادية والنشاط الإنتاجي المعروف. المعروف- وعلماء المحاسبة موجودون- أن الأصول الرأسمالية في أي شركة لها استهلاكاتها وكل عام تعتبر هذه الاستهلاكات وليس نفقة الأصل ككل، وإن نفقة الأصل ككل لا تحمل على عام واحد، هم توصلوا إلى أشياء جلية وواضحة في هذا المجال، فإذ قيل بخصم النفقات الاستهلاكية فهذا صحيح وتخصم معها الاستهلاكات للأصول الثابتة. هناك الأخ عبد الستار طرح ثلاثة أنواع من الأصول في الشركات، عروض قُنْيَة والتي هي الأصول الرأسمالية، وعروض تجارية وهي الأصول المتداولة، والمستغلات. هذا التقسيم الثلاثي غير معهود عندنا في العلوم المالية والاقتصادية، المعهود عندنا أن كل شركة لها أصولها الثابتة التي لا تتاجر فيها، وإنما تتاجر بها ومن خلالها ولها أصول متداولة والتي هي محل التجارة.
بقيت نقطة واحدة اسمحوا لي فيها، لأنها تمثل جانبا اقتصاديا هاما وهي زكاة الديون. الديون اليوم غيرها بالأمس، الديون اليوم من حيث الحجم بالغة الضخامة، هناك مديونية بالمليارات على بعض الشركات ولبعضها، الديون اليوم معظمها ديون إنتاجية وليست ديونا استهلاكية كما كان الحال في الماضي. ينبغي عندما نبحث زكاة الدين اليوم ينبغي أن نراعي هذه الحقيقة وهذا الواقع، لا أن يستغرق في هل هو دين مرجو أو غير مرجو، أو دين حال أو دين مؤجل، هذا الكلام لا أقول إنه غير مهم، ولكنه واضح ومحسوم فقهيا حتى في الفقه القديم، أما الذي ليس موجودا في الفقه القديم فهو الصورة الحاضرة للديون المعاصرة.
الديون المعاصرة بملايين الدولارات والريالات والجنيهات، من الذي يزكي هذه الديون؟ هل تزكى؟ إذا حكمنا الآراء أو الديون القديمة (إن الدين لا يزكى إلا عند قبضه ولسنة واحدة) ، هنا يضيع الفقراء لأن معظم ثروات الأمم والشعوب في شكل ديون وقد تكون طويلة الأجل ولعشرات السنين، خلال هذه المدة هل هذا الدين تسقط عنه الزكاة؟ وإذا لم تسقط عنه الزكاة فمن الذي يؤديها هل هو الدائن؟ والحال أن الدائن لا يملكه الآن ولا يستفيد منه ولا ينتفع به، وأن المدين الشركة التي تأخذ الديون، وتأخذها من بنوك وغير بنوك تستفيد منها وتستغلها وتستثمرها وتنتح بها، يعنى تأكل مهنأها بالتعبير الفقهي الجميل الجيد القديم، من الذي يكلف بهذا هل هو الدائن أيضا، أم المدين هو الذي يتحمل هذا طبقا لرأي قلة من علمائنا القدامى حيث كانت لهم بعد بصيرة في مثل هذا الموضوع؟.