للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد علل الزرقاني رأي المالكية بما يأتي:

(إذ لو وجبت لكل عام لأدى إلى أن الزكاة تستهلكه، ولهذه العلة لم تطلب في أموال القنية، لأن الزكاة مواساة في الأموال الممكن تنميتها، فلا تفيتها الزكاة غالبا) (١) .

ومن المسائل المرتبطة بموضوع زكاة الدين مسألة زكاة القرض عند المالكية، فإنهم قد ميزوا بين القرض وبين الدين الناتج عن تجارة التاجر المدير، وإن كان كل منهما مرجو السداد، فالأول لا يزكى إلا لعام واحد عند قبضه وإن أقام عند المدين سنين، وأما الثاني فهو يزكى بعد تقويمه لكل عام.

ووجه الفرق بينهما أن القرض يفقد النماء فيه في حالة الإقراض وبالتالي يخرج عن إدارة التجارة فيه. أما الدين المرجو فهو بالنسبة للتاجر المدير في قوة المقبوض كسلعة (٢) .

وقال في (المقدمات) : (المدير إذا أقرض من المال الذي يدير قرضا، فقد أخرجه بذلك عن الإدارة) (٣) .

وفي هذه الحالة يثور سؤال مهم، وهو: ما حكم الزكاة في مال القرض عند المالكية، فقد يكون مقدارا ضخما لأجل طويل- والأجل لازم عندهم في حالة الاشتراط- فهل هي ساقطة عن الدائن المقرض والمدين المقترض كليهما أو يجب أداوها على الطرف الثاني وهو المقترض المستفيد المستثمر بحيث إن علة التنمية تتحقق في حقه؟ فالظاهر أن الزكاة تجب على المقترض في النماء الناتج من استثمار القرض لا في أصل القرض، لأن ذمته مشغولة بوفاء أصل المقدار المقبوض، فيطرح من وعاء الزكاة، إعمالا لضابط مذهبهم وهو أن الدين مانع من الزكاة في النقود وعروض التجارة، إن لم يفضل عن وفائه مقدار ما تجب فيه الزكاة (٤) .

تلك هي آراء الفقهاء واجتهاداتهم في زكاة الدين المؤجل، وفيما يبدو أنها مبنية على فروق استحسانية، وربما يعسر إعطاء أسباب تلك الفروق كما أشار إلى ذلك ابن رشد (٥) ، والله أعلم.


(١) شرح الزرقاني للموطأ: ٢ /١٤٥
(٢) الشرح الصغير، للديرير: ١ / ٦٤٠- ٦٤١
(٣) المقدمات الممهدات: ١/ ٣٠٤
(٤) أضواء البيان: ٢/ ٤٦٣؛ والكافي، لابن عبد البر، ص ٩٥؛ والمقدمات، لابن رشد: ١/ ٢٣٢
(٥) بداية المجتهد: ٢/ ٤٩٢

<<  <  ج: ص:  >  >>