ضمان الخسارة في الوقف
من يرى الضمان بنى رأيه على هذا الأساس على أن الاستثمار من باب التعدي والتقصي، لأنه لم يشترطه الواقف. وشكرا لكم.
الشيخ عبد الرحمن بن عقيل:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
بادئ ذي بدء أشكر المجمع على هذه الدعوة، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ سماحة شيخنا رئيس المجلس وأن يمن عليه بالصحة والعافية.
في الحقيقة أشارك فضيلته حينما ذكر أن الأمر يحتاج إلى تحديد الموضوع وقد أثبتت التعليقات ذلك، فإن الموضوع محل المناقشة يحتاج إلى تحديد، والبحوث الموزعة ثمانية أبحاث، أربعة منها تحمل عنوان الاستثمار واثنان منها في وقف النقود واثنان منها عامان في الوقف عموما.
وبحث الوقف بمسائله أمر متعذر فإنه يحتاج إلى ندوات ومؤتمرات، ووقف النقود يحتاج بحثه من حيث أصله، هل يجوز وقف النقود أم لا يجوز؟ وإذا جاز وقف النقود فمسألة استثمارها أمر تال له. وأما مسألة الاستثمار فهل يراد استثمار الأوقاف نفسها أو استثمار موارد الأوقاف أو الريع؟
واستثمار الأوقاف نفسها أمر أيضا يسير من حيث إنه ينضبط بثلاثة ضوابط، وهي:
الضابط الأول: إن تكون طريقة الاستثمار مشروعة.
الضابط الثاني: إن تتحقق فيه مصلحة الوقف.
الضابط الثالث: ألا يذهب بأصل العين.
فإذا تحقق ذلك فأي طريقة يستثمر فيها الوقف فهي طريقة صالحة وليست محل إشكال، وإنما قد يكون الإشكال في بعض الفرعيات في تلك المسالة. ولعلي أطرح اقتراحا في أن يكون الموضوع يشمل أمرين:
الأمر الأول: استثمار ريع الأوقاف، وذلك في الحالات التالية:
الأولى: إذا شرط الواقف أن جزءا من ريع الوقف في الاستثمار وتنمية الوقف، فهل هذا الشرط صحيح أم يخالف مقتضى الوقف، من حيث إن الريع يصرف لمستحقي الوقف؟ وهذا يحصل في عدد من الأوقاف، وهو أن بعض الواقفين يشترط في أن يكون جزءا من ريع الوقف في استثمار الوقف وتنميته.
الثانية: إذا لم يشترط الواقف ذلك فهل للناظر بحكم نظارته أن يخصص جزءا من الريع في الاستثمار وتنمية الوقف إذا رأى مصلحة في ذلك، سواء كانت مصارف الأوقاف معلومة أو كانت مجهولة كما تفضل فضيلة شيخنا؟
هاتان حالتان مهمتان في مسألة الاستثمار في ريع الوقف.
الأمر الثاني: أما في الوقف نفسه فربما يكون من البحث مسألة حكم استثمار الوقف في طرق لم يحددها الواقف، أو في طرق أخرى غير ما حدده الواقف إذا رأى الناظر المصلحة فيها، وبهذا يمكن أن تكون مناقشتنا في محور الموضوع وهو الاستثمار.
وأما القول بأن استثمار ريع الوقف لا يحتاج إلى بحث فأخالف هذا الاتجاه، وأظن أنه يحتاج إلى بحث، ولم أجد من الباحثين من تعرض له إلا الشيخ على القره داغي في سطر واحد، ولا أدري ما مبناه الفقهي، فقد قال في بحثه: (لذلك ينبغي أن تهتم إدارة الوقف أو الناظر بهذا الجانب اهتماما كبيرا وتخصص جزءا جيدا من ريع الوقف للاستثمار، إضافة إلى استثمار بقية أموالها السائلة) . فقوله: (تخصص جزءا جيدا من ريع الوقف للاستثمار) لم أر لها مبنى فقهيا، وقد بحثت سابقا بحثا جادا في كلام للفقهاء حول تلك المسألة، ولم أعثر بتتبعي القاصر على شيء يدل على ذلك وهو ما يتعلق باستثمار ريع الوقف، ولذا أرى أهمية بحثها والله الموفق.