للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد استفتي الشيخ عليش المالكي في أرض موقوفة طرح الناس فيها أتربة وأقذاراً حتى صارت تلاً لا ينتفع به في الحال، فأجرها نائب القاضي تسعة وتسعين سنة لمن ينقل منها ما فيها من التربة والأقذار ويبنيها خاناً، كل سنة بأربعة أرطال زيت لا غير، وأزال المكتري ما فيها وأصلحها، فحصلت الرغبة فيها بزائد عن تلك الأجرة، فهل تفسخ الإجارة ويصير النفع للوقف؟ فأجاب: "نعم يفسخ إن وجد حين عقد الإجارة من يستأجرها بزائد عما ذكر، أما إن لم يوجد حين العقد من يستأجرها بزائد عما ذكر فلا تفسخ " (١) .

ونص الشافعية على عدم صحة الوقف إذا أجره الناظر بأقل من أجرة المثل، لكنه إذا أجر الناظر فزادت الأجرة في المدة، أو ظهر طالب بالزيادة عليها لم ينفسخ العقد على الأصح، قال النووي: "لأن العقد جرى بالغبطة في وقته، فأشبه ما لو باع الولي مال الطفل ثم ارتفعت القيمة بالأسواق أو ظهر طالب بالزيادة، والثاني - أي الرأي الثاني للشافعية - ينفسخ العقد، لأنه بان وقوعه بخلاف الغبطة في المستقبل، والثالث: إن كانت الإجارة سنة فما دونها لم يتأثر العقد، وإن كانت أكثر فالزيادة مردودة، وبه قطع أبو الفرج الزاز في الأمالي " (٢) .

وذهب الحنابلة إلى صحة عقد الإجارة مع كون الأجرة أقل من أجر المثل، ولكن الناظر يضمن النقص، أي يضمن الفارق بين أجر المثل، والأجر المتفق عليه في العقد قياساً على الوكيل، لأن الإجارة عقد لازم لا يفسخ بذلك. (٣)

والذي يظهر لنا رجحانه هو رأي الجمهور، حيث فيه الحماية الكافية لمصالح الوقف، ولخصوصيته، وأن كون القيم يتحمل الفرق قد يؤدي إلى زهد الناس عن التولية، لأن ذلك يضر به وقد لا يكون متعمداً فيه، ولذلك فاعتبار العقد مفسوخًا حتى يتم جبر النقص فيه من قبل المستأجر هو أعدل الأمور، والله أعلم.


(١) فتح العلي المالك: ٢ / ٢٣٩.
(٢) روضة الطالبين: ٥ / ٣٥٢؛ ومغني المحتاج: ٢/ ٣٩٥.
(٣) كشاف القناع: ٤ / ٢٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>