للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب- المدة الطويلة مقابل الإصلاح:

أما إذا كان الوقف خرباً وتعذرت، أو تعسرت إعادته من غلته، أو من كرائه، فقد أفتى جماعة من علماء المالكية منهم القاضي ابن باديس والناظر اللقاني: والأجهوري وأتباعه بتأجيره مدة طويلة لمن يعمره بالبناء، ويكون البناء ملكاً للباني ويدفع نظير الأرض حكراً (مبلغاً) يدفع للمستحقين، ويسمى هذا التصرف خلواً (١) .

وجاء في شرح الخرشي أن القاضي ابن باديس قد أفتى بكرائها السنين الكثيرة كيف تيسر، واشترط إصلاحها من كرائها (٢) ، قال العدوي: أي أكثر من أربعين عاماً (٣) . وجاء قريب من هذه الأحكام في المذهب الحنفي (٤) .

ولم يتطرق الشافعية والحنابلة - حسب علمي - إلى مسألة طول المدة في إجارة الوقف، لأنهم تركوا ذلك لأحكام الإجارة.

ج - أجر المثل في الإجارة:

اشترط جماعة من الفقهاء - منهم الحنفية والمالكية والشافعية - أن يكون تأجير الموقوف بما لا يقل عن أجر المثل، فلا يجوز تأجيره بغبن فاحش، وأما الغبن اليسير (وهو ما يتغابن الناس فيه، أو لا يعدونه غبناً) فلا يؤثر، فإذا أجر بأقل من أجر المثل، فللقيم على الوقف الفسخ، ولو زاد الأجرة بعد العقد إلى أجر المثل يجدد العقد بالأجرة الزائدة، قال ابن عابدين: "والظاهر أن قبول المستأجر الزيادة يكفي عن تجديد العقد، وأن المستأجر الأول أولى من غيره إذا قبل الزيادة " (٥) .

جاء في الفتاوى الهندية: "ولا تجوز إجارة الوقف إلا بأجر المثل، كذا في محيط السرخسي، ولكن العبرة في ذلك ببداية العقد، فقد نصوا على أنه لو استأجر رجل أرض وقف ثلاث سنين بأجرة المثل، فلما دخلت السنة الثانية كثرت الرغبات وازدادت أجرة الأرض فليس للمتولي أن ينتقص الإجارة لنقصان أجر المثل" (٦) .

وقد اختار متأخرو الحنفية أنه لو قام المتولي بأجير الوقف بأقل من أجر المثل فكسنها المستأجر؛ كان عليه أجر المثل بالغًا ما بلغ، وعلى ضوء ذلك يعدل العقد، وإن لم يرض به المستأجر (٧) .

ويظهر من ذلك أن العقد الذي تم بأقل من أجر المثل إما هو باطل، أو غير لازم بحيث يفسخه القاضي أو القيم، أو يعدله إلى أجر المثل، أو يبطل.


(١) الشرح الصغير: ٤ / ١٢٧.
(٢) شرح الخرشي: ٧ / ٧٨ - ١٠٠.
(٣) فتح العلي المالك: ٢ / ٢٤١.
(٤) الفتاوى الهندي: ٢ / ٤٢٠ - ٤٢١.
(٥) حاشية ابن عابدين: ٣ / ٣٩١؛ والفتاوى الهندية: ٢ / ٤١٩؛ وفتح العلي المالك: ٢/ ٢٣٩؛ وشرح الخرشي: ٧ / ٩٨؛ ومغني المحتاج: ٢ / ٣٩٥؛ والروضة: ٥ / ٣٥٢؛ والفقه الإسلامي وأدلته: ٨ / ٢٣٦؛.
(٦) الفتاوى الهندية: ٢ / ٤١٩.
(٧) الفتاوى الهندية: ٢ /٤٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>