التقاعد:
التقاعد هو أصلًا ظاهرة جديدة نجمت عن التحول إلى المجتمع العصري الصناعي، كان يتوخى أن تكون وسيلة لرفع الظلم والقسوة عن الموظفين والعمال، الذين كانوا يعملون طوال حياتهم، دون أي ضمانات أو حقوق.
فالتقاعد أصلًا عملية إيجابية فيها احترام وتقدير (لشيبة الإنسان) تحفظ له كرامته وإنسانيته، وتؤمن له حياة كريمة عزيزة ليعيش سنوات حياته الأخيرة بأمان واطمئنان، إلا أنه نتيجة للتغيرات في شتى مجالات الحياة، فقد برزت جوانب سلبية متعددة:
فالتقاعد يشكل ضغطًا كبيرًا وحادًّا، في حياة كل إنسان تغيرات تتناول الوقت والعمل والالتزامات والمسؤوليات، ويؤدي التقاعد إلى انخفاض الدخل والمقدرة المالية، كما أن الفراغ بالنسبة للمسنين المتقاعدين حاد وقاتل؛ لأنه يأتي فجأة، وبعد سنوات طويلة من العمل المتواصل، وليس هذا فحسب بل إن التقاعد يحدث في فترة كثيرًا ما يتدهور الوضع الصحي فيها بشكل ملحوظ (١) .
والتقاعد في الوظائف الرسمية في الدولة لحظة هامة في عمر الإنسان، وهي في سن الستين، وأحيانًا في حالات خاصة في سن الخامسة والستين، وهي لحظة هامة مثل لحظة الالتحاق بأول عمل، وغيرها من الوظائف الهامة.
والتقاعد له جوانبه وآثاره على الشخص والمجتمع، قد يصبو الإنسان قبيل تقاعده إلى أن يحقق ما حرم منه خلال فترات حياته السابقة إلى أن يستريح من عناء العمل، والارتباطات، والالتزامات. . ولكن سرعان ما تنتهي حفلة التكريم والتوديع فيجد نفسه فجأة وقد فقد السلطة والكيان والهيبة والتأثير في الآخرين.
وإذا لم يكن هناك تخطيط مسبق وإعداد لمرحلة التقاعد، فإن المتقاعد يجد نفسه في خواء ودون هدف، وربما يحاول أن يعوض ذلك بالتدخل فيما لا يعنيه، وقد تكثر طلباته في البيت، وقد يضيق به أحيانًا باقي أفراد العائلة، يودون لو يخرج من المنزل لقضاء بعض أمره، أو الترويح عن نفسه.
(١) الشيخوخة، د. محمد بشير شريم، ص ١٨٦ – ١٩٥ بتصرف.