للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من تجب عليه نفقة القريب:

الأقوال بالنسبة لوجوب النفقة أربعة: أضيقها المذهب المالكي، وهو يوجبها بالنسبة للأبوين على الأولاد وبالنسبة للأولاد على الأبوين، ويفتح الباب المذهب الشافعي قليلًا يجعلها في الأصول على فروعهم والفروع على أصولهم، والمذهب الحنفي يجعل النفقة في القرابة المحرمية، فكل قريب لا يصح الزواج منه إذا كان أحدهما أثنى تجب له النفقة، فلا يوجبها على ابن العم لأن قرابته غير محرمية، ويوجبها على الخال لأن قرابته محرمية، مع أن الأول يرث قبل الخال، والمذهب الحنبلي جعلها تسير مع الميراث سيرًا مطردًا.

تجب النفقة للفقير العاجز على مقتضى ما هو أقرب إلى النصوص والقواعد الفقهية وأوسع تعميمًا للقرابة التي تلزم بالنفقة على الوارث، أن من يرث الفقير العاجز إذا مات عن مال تجب عليه نفقته.

أما قربه للنصوص فلأنه تطبيق للنص القرآني الذي يوجب نفقة الصغير على الوارث له، فقد صرح النص بأن نفقة من ترضع الصغير على أبيه، فإن لم يكن له أب فإنها تكون على الوارث، ونفقة المرضع هي أجرة الرضاعة وهي جزء من النفقة على الصغير، ومثل الصغير كل عاجز من ذوي القرابة.

وأما انطباقه على المقاصد الإسلامية، فلأن من القواعد المقررة في الشريعة أن الحقوق والواجبات متبادلة، فإذا كان الميراث حقًا للوارث إذا مات الشخص غنيًا فعليه واجب الإنفاق إذا عجز.

فتجب النفقة مع اختلاف الدين. .

إذا كانت نفقة الأصول والفروع، فنفقة الأب على ابنه ولو اختلف دينه، ونفقة الابن على أبيه ولو اختلف الدين، فإذا كان لرجل ولدان أحدهما مسلم والآخر مسيحي وهو مسيحي وفقير فالنفقة عليهما على سواء.

وهو الذي يتفق مع النصوص؛ لأن النصوص القرآنية تجعل النفقة على الأب دائمًا، وتوجب على الولد الإحسان إلى الأبوين ولو كانا مشركين، ولأن الولد مطلوب منه أن يصاحب أبويه دائمًا بالمعروف، ولكن لا يطيعهما إن أرادا منه الشرك بالله.

وإن النفقة للعاجز من الأقارب إذا كان فقيرًا، فلا تجب للقادر ولو كان فقيرًا، بل عليه أن يعمل، إلا أنهم قالوا: إن نفقة الآباء والأمهات تجب على الأولاد ولو كان آباؤهم قادرين على العمل ماداموا محتاجين؛ لأن الواجب للآباء على أبناءهم أن يكفوهم مؤونة العمل ويعملوا هم؛ لأن الإحسان إلى الأبوين يوجب على الأولاد أن يعملوا ويغنوهما عن العمل، ولأن من المقررات الشرعية أن كسب الولد كسب لأبيه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أنت ومالك لأبيك)) ولأن الشركة الطبيعية بين الأب والأم وأولادهما تجعل للأبوين شركة في مال الولد، وإن ذلك من شأنه توثيق الرباط في داخل الأسرة ونشر روح التراحم والتعاون فيها.

والعاجز الذي تجب له النفقة هو الذي لا يستطيع العمل لعجزه بمرض أو شيخوخة أو عاهة لا يمكنه التكسب مع وجودها، أو يكون في حال خرق لا تمكنه من أن يتولى أي عمل، وتعتبر الأنثى التي لا تعمل وليست ذات زوج عاجزة عن الكسب بسبب الأنوثة ذاتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>