للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن العجز أيضًا أن يكون طالب النفقة منصرفًا لطلب العلم وله مواهب تمكنه من السير فيه إلى أقصى مراحله؛ لأن المواهب يجب أن تظهر، فيجب من جانب الدولة أن تهيئ الأسباب لإظهارها بتمكينه من التعلم في مراحله ما دامت مواهبه تستجيب لها، ويجب على الأسرة إذا كان فيها القادر أن يهيئ له أسباب المعيشة، وتكفل له الرزق فتمده بالنفقة المستمرة.

وقد ذكر الفقهاء أن من أسباب العجز أن يكون الشخص من طبقة لا يستخدمها الناس ولا يعهدون إليها بعمل، فيعتبر بذلك عاجزًا لأنه لا يسند إليه أي عمل يأكل منه.

ويشبه هذا من لا يستخدمون لأنهم لا يجدون عملًا ويتعطلون، ولم يكن التعطل بسبب فساد خلقي أو إهمال أو تقصير، فإن التعطل الذي لا يقترن بذلك يكون من أسباب العجز، ولكن إذا كان بسبب الفساد لا يكون عجزًا يقتضي المعونة بل يكون جريمة تستوجب العقاب، وأقل عقاب ألا يعان لكي يصلح من نفسه ويعمل على أن يقوم بواجبه، ولا يفسد العمل ومن يعملون معه.

ولا شك أن من تجب عليه النفقة لابد أن يكون ذا يسار بحيث يفضل عن حاجاته الأصلية ما يمكنه أن يمد قريبه العاجز عن الكسب، واليسار على أرجح الأقوال في المذاهب الفقهية أن يكون كسوبًا يفضل من كسبه اليومي أو الأسبوعي أو الشهري ما يمكن أن يقدر فيه مقدار من النفقة يمد به قريبه العاجز عن الكسب ليصل رحمه، وتلك النفقة من صلة الرحم، وإذا لم يؤد القريب الموسر ذلك الواجب الديني فإن لهذا الفقير العاجز أن يطلب من القضاء إلزامه بذلك، وذلك بدعوى يرفعها، وبذلك ينتقل الواجب الديني إلى واجب قضائي يلزمه به القضاء.

والقاضي عليه أن يحكم له بالنفقة إن توافرت أسبابها في المدعي والمدعى عليه، وقضايا هذه النفقات تكون من غير رسوم تدفع كما هو المقرر في الفقه الإسلامي؛ لأن القضاء بكل فروعه في الفقه الإسلامي لا أجرة عليه، فلا رسوم عليه، إنما على الدولة أن تقدم للقضاة ما يحتاجون إليه بالمعروف، وبما يليق بمناصبهم؛ لأن القضاء أقدس وظائف الدولة، ولأنه ميزان بنيانها ومقيم العدالة فيها، ولا استقامة لأمة من غير عدل.

<<  <  ج: ص:  >  >>