والشعور أن مثل هذا الشخص وجد نفسه فجأة بعد أن أحيل إلى المعاش أو التقاعد قد أصبح يعيش في فراغ هائل ليس لديه من الأعمال ما يشغل فيه وقته، ولا يوجد حوله من الزملاء من كان يتفاعل معه، وهكذا يشعر هذا الشخص بالملل إذ يجد من ساعات نهاره شيئًا رتيبًا لا يتغير فيترتب على ذلك شعور بالتوتر والإحباط، وخاصة إذا كان مثل هذا الشخص قد فقد مع عمله سلطة معينة أو مركزًا كان يجد فيه الشعور بالاهتمام والتقدير، هذا فضلًا عما يشعر به من حاجة للانتماء إلى ما كان يشبعه من روح الجماعة في العمل فتنعكس نتيجة ذلك كله على من حوله من أفراد أسرته في صورة من صور العدوان المباشر أو غير المباشر، وقد تكون هذه الصورة من الصور المعروفة لما قد يحدث بالنسبة إلى كبار السن ممن لا يجدون الرعاية.
والمعروف أن نسبة حالات جنون الشيخوخة تزداد بين أولئك الذين لا يجدون مجالًا يصرفون فيه نشاطهم عندما يبلغون سن الشيخوخة، أما أولئك الذين يجدون ما يملأ عليهم حياتهم ويشغل وقت فراغهم. فإن مثل هذه الآثار تقل لديهم إلى حد كبير، ولعل ذلك كله يوضح لنا أهمية الرعاية الاجتماعية لكبار السن، والواقع أن هذه الرعاية ربما تفرضها ظروف العصر وملابساته، فقديمًا كانت العلاقات الاجتماعية من البساطة بحيث كان الفرد يجد من أسرته ومن أقربائه المباشرين من يعوضه عما فقده من علاقات خاصة، ويجد من يقوم على رعايته، أما الآن بعد التطور الحضاري والصناعي الذي يعيش فيه فقد تغير شكل المجتمع، وأصبحت العلاقات الإنسانية ليست علاقات مباشرة أولية بسيطة كما كانت، بل أصبحت في الواقع بحيث لا يجد كبير السن من أفراد الأسرة من يهتم بخدمته أو يسهر على راحته بحكم العادة أو التقليد، وأصبح لزامًا على ذلك أن توجد المؤسسات الخاصة والبرامج الخاصة التي تقوم بأداء هذه الخدمات.
ويجدر بنا أن نشير في هذا إلى أن المجتمعات قد اتخذت الخطوات المرضية في معالجة مشاكل كبار السن، وقد تطورت نظرة تلك المجتمعات إلى مشكلات كبار السن.