للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- مبدأ التعويض عن العيب:

العيب: الوصمة، والنقص (١) ، وقد جاء في القرآن والسنة بهذا المعنى، فمن ذلك قوله تبارك وتعالى في قصة موسى عليه السلام مع الخضر: {حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} [الكهف: ٧١] ، ثم قال الخضر مفسرًا لموسى سبب صنيعه: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: ٧٩] .

فبيّن الخضر بهذا لموسى أن خرق السفينة الذي هو انتقاص منها؛ عيبٌ.

وروى الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بالسوق داخلًا من بعض العالية والناس كنفيه، فمر بجدي أسك - صغير الأذنين – ميت، فتناوله فأخذ بأذنه، ثم قال: (( ((أيكم يحب أن يكون هذا له بدرهم؟)) .)) فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال: ((أتحبون أنه لكم؟)) . قالوا: والله لو كان حيًا كان عيبًا فيه؛ لأنه أسك، فكيف وهو ميت؟ (٢) الحديث، فجعل الصحابة نقص الأذن في هذا الجدي عيبًا (٣) .

والعيب في اصطلاح الفقهاء قريب مما ذكر، فهو كل ما ينقص القيمة أو العين في عرف التجار (٤) .

والعيب يثبت به الخيار لكل واحد من العاقدين إذا لم يعلم به حال العقد، فيثبت للمشتري في عقد البيع في المبيع إذا وجد به عيبًا، ويثبت للبائع كذلك في الثمن إذا وجده معيبًا، كما أنه يثبت للمستأجر إذا وجد العين المستأجرة معيبة بعيب يفوّت عليه غرضه، ويثبت أيضًا للمؤجر في الأجرة إذا وجد بها عيبًا لم يطلع عليه حال العقد.

والعاقد في البيع مخير بين الرد وأخذ الثمن، وبين الإمساك فقط، عند جمهور العلماء، وعند الحنابلة له الإمساك مع أخذ الأرش.

أما إذا تعذر الرد، كما إذا تعيب المبيع عند المشتري بعيب حادث، ومثاله لو اشترى قماشًا فقطعه ثيابًا، أو اشترى دارًا فوهبها، أو عبدًا فأعتقه؛ فإن له الأرش، وكذلك لو تصرف المؤجر في الأجرة بهبتها أو بيعها ونحو ذلك، ثم علم بالعيب فيها، فإن له الأرش، والعوض في الصرف، إذا بان معيبًا.

وكذلك يجب مهر المثل إذا تعيب الصداق قبل القبض، أو قبضته ووجدته معيبًا (٥) .


(١) الفيروزآبادي، القاموس المحيط، فصل العين، باب الباء: ١ / ١١٣؛ الراغب، المفردات في غريب القرآن، ص ٣٥١.
(٢) مختصر صحيح مسلم للمنذري، باب الزهد في الدنيا، ص ٥٥٢.
(٣) حمزة الفعر، مدى اعتبار التضخم عيبًا في العملة، ص ٣١.
(٤) المصادر السابق، ص ٣.
(٥) انظر: ابن قدامة، المغني: ٦ / ٢٢٩؛ ابن حجر الهيتمي، تحفة المحتاج: ٤ / ٢٥١، ٢٥٧؛ الزيلعي، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق: ٤ / ٣١؛ ابن شاس، عقد الجواهر الثمينة في أدلة عالم المدينة: ٢ / ٤٦٩ – ٤٧٥؛ وللمالكية تفصيل في العيوب التي يرد بها؛ حيث فرقوا بين العيب اليسير وغيره، فقالوا في الأول: لا يرد به وله الأرش، والثاني هو الذي يرد به.

<<  <  ج: ص:  >  >>