للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقرر بعض العلماء المعاصرين أن في قوله عليه السلام: (( ((لم تأخذ مال أخيك بغير حق؟)) )) إيماء إلى العلة (١) ؛ لأن هذا الوصف " أخذ المال بغير حق " ذكره في كلام الشارع مع الحكم وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (( ((فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا)) )) . ولم يصرح بالتعليل به، ولو لم يقدر التعليل به لما كان لذكره فائدة، وكان عبثا ولغوًا، ومنصب الشارع مما يُنزَّه عن ذلك (٢) .

وعلى هذا فإن الجائحة يمكن أن تعتبر أصلًا خاصًا تقاس عليه مسألة التضخم، انخفاض قيمة العملة.

إلا أنه يمكن أن يرد على هذا القياس بأنه قياس في مقابلة النص، فهو فاسد الاعتبار (٣) ، وبيان ذلك أن هذا القياس يقتضي رفع الضرر عن صاحب الدين بأن يرد إليه من ترتب الحق في ذمته مقدار قيمة دينه وقت الالتزام، وهذا يترتب عليه قطعًا زيادة في قدر النقود المتحدة الجنس، كما لو كان له عليه ألف جنيه مصري فنقصت بحيث أصبحت قيمتها عند حلول الوفاء تساوي أربعة آلاف. فهذه زيادة قد ورد النهي عنها في قوله عليه السلام في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: (( ((الذهب بالذهب)) )) (٤) ، والفضة بالفضة، مثلًا بمثل (٥) ... الحديث. وبزيادة العدد فاتت المثلية. والقياس يوجبها والنص يمنعها.

ويمكن أن يجاب عن هذا بأن الحل بالمقترح يمكن تحقيقه بدون الوقوع في مصادمة النص، بأن يجعل التعويض من غير الجنس بعملة أخرى مثلًا.


(١) هو فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه، انظر بحثه المنشور بمجلة البحوث الفقهية المعاصرة بعنوان: حكم الشرع في تعديل ما ثبت بذمة الدين حالة التضخم، ص ٣٦، ٣٩.
(٢) الغزالي – شفاء العليل في مسالك التعليل، ص ٣٩؛ سيف الدين الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام: ٣ / ٢٣٧.
(٣) الآمدي الإحكام: ٤ / ٦٢.
(٤) النقدية صفة اعتبارية، وليست مقصورة على الذهب والفضة، بل هي متحققة في كل ما تعورف على أنه نقود؛ لأنها تحظى بالقبول، ويقع التبادل بها بين الناس، وتقوّم بها الأشياء، وقد أيدت الهيئات العلمية والمجامع الفقهية هذا القول. جاء في القرار رقم ٩ / د ٣ / ٠٧ / ٨٦ لمجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي أنها: " نقود اعتبارية فيها صفة الثمنية كاملة، ولها الأحكام المقررة للذهب والفضة من حيث أحكام الربا والزكاة والسلم، وسائر أحكامهما ". وجاء في القرار العاشر للدورة الثالثة لهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية: " إن الورق النقدي يعتبر نقدًا قائمًا بذاته، كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرهما من الأثمان ... ". انظر: د. حمزة الفعر، مدى اعتبار التضخم عيبًا في العملة، ص ٥، ٦، بحث مقدم لندوة التضخم التي عقدها مجمع الفقه الإسلامي بجدة بالاشتراك مع بنك فيصل الإسلامي بالبحرين في رجب، عام١٤١٨ هـ.
(٥) مختصر صحيح مسلم للمنذري، باب بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة والبر بالبر وسائر ما فيه الربا سواء بسواء يدًا بيد، ص ٢٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>