للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا كله دليل على أن العيب يُثبت الحق للعاقد الذي أطلع عليه، ولم يعلم به قبل ذلك، في أن يدفع هذا الضرر عن نفسه بالمطالبة بالرد أو بالمثل – كما في المهر والصرف - أو التعويض عن العيب – الأرش – إذا امتنع الرد، والسبب في ذلك أن صفة المالية معتبرة هنا، فما أوجب نقصًا فيها كان عيبًا في عرف أهل الشأن، وقد أثبت النبي عليه السلام الخيار في التصرية لمن اشترى مصراة بين الإمساك والرد مع صاع من تمر (١) ، وهذا تنبيه على ثبوت الخيار بالعيب؛ لأن التصرية عيب، ومطلق العقد يقتضي السلامة من العيب، بدليل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه اشترى مملوكًا فكتب: ((هذا ما اشترى محمد بن عبد الله من العداء بن خالد، اشترى منه عبدًا أو أمة، لا داء به ولا غائلة، بيع المسلم المسلم)) (٢) فثبت أن بيع المسلم يقتضي السلامة. وعلى هذا فمتى فاتت السلامة فات بعض مقتضى العقد فلم يلزمه أخذه، وكان له الرد وأخذ الثمن كاملًا (٣) .

والرد بالعيب مبني على قاعدة قعّدها العلماء، وهي أن الضرر يزال (٤) ، أخذًا من حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (( ((لا ضرر ولا ضرار)) )) (٥) ومعناه النهي عن أن يضر الرجل أخاه ابتداء وجزاء؛ لأن مشروعية الرد بالعيب إنما هي لإزالة ما قد يلحق من الضرر للعاقد.

ويستنتج مما تقدم أن العيوب – ومنها عيوب النقد – يثبت بها الحق في رفع الضرر ودفع الظلم للعاقد الذي يحصل العيب في جهته، ولهذا فإن الكلام في البحث عن طريقة مناسبة لرفع ضرر التضخم سائغ شرعًا.


(١) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. رواه البخاري في صحيحه في باب النهي للبائع ألا يحفّل الإبل والبقر والغنم من كتاب البيوع: ٣ / ٩٢؛ ومسلم في صحيحه في باب حكم بيع المصراة من كتاب البيوع، ص ٣.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه في باب: إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا، من كتاب البيوع: ٣ / ٧٦.
(٣) ابن قدامة، المغني: ٦ / ٢٢٥، ٢٣٥.
(٤) السيوطي، الأشباه والنظائر، ص ٩٥؛ ابن نجيم، الأشباه والنظائر،ص ٨٥.
(٥) أخرجه مالك في الموطأ عن عمرو بن يحيى عن أبيه مرسلًا، وأخرجه البيهقي والدارقطني والحاكم من حديث أبي سعيد الخدري.

<<  <  ج: ص:  >  >>