للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكما حرمت الشريعة الربا، فإنها حرمت الوسائل المفضية إليه تأكيدا لتحريمه، وقد اعتبر الجهل بالتساوي محرمًا في بيع الربويات ببعضها كالعلم بالتفاضل فيها، فقد روى الإمام مسلم عن جابر رضي الله عنه أنه قال: ((نهي النبي عليه الصلاة والسلام عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيلها بالكيل المسمى من التمر.)) (١) .

وروري الشيخان عن سهل بن أبي حثمة قال: ((نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع التمر بالتمر، وقال: ((ذلك الربا، تلك المزابنة)) )) (٢) .

فكيف يمكن القول بجواز النظر في علاج آثار التضخم، مع أنه يترتب على ذلك زيادة من جنس ما ثبت في الذمة قطعًا؟

والجواب على ذلك، أن ما ذكر من تحريم الشريعة للربا وسدها للذرائع المؤدية إليه، وأن هذا الأمر – علاجَ التضخم – قد يؤدي إلى الزيادة في جنس ما ثبت في الذمة من النقود أمرٌ مسلم، ولكن المتأمل في أدلة الشريعة ومقاصدها وقواعدها العامة، لا يعدم أن يجد عددًا من المبادئ الشرعية المسلمة الهادفة إلى تحقيق العدل بين الخلق، والتي تعتبر في جوهرها استثناء مما يقتضيه العقد الملزم بين الطرفين من غير اشتراط لهذا الاستثناء في صيغة العقد، وهي مما يمكن الاستئناس به هنا للقول بمشروعية النظر في علاج آثار التضخم، ومن هذه المبادئ ما يلي:

١- مبدأ وضع الجوائح:

الجوائح جمع جائحة، وهي في اللغة: الآفة، يقال: جاحت الآفة المال تجوحه جوحًا إذا أهلكته (٣) .

وهي عند الفقهاء: كل شيء لا يستطاع دفعه لو علم به (٤) - وهذا يقرب مفهوم الجائحة إلى ما يعرف الآن بالظروف الطارئة – وقد ورد في اعتبار الجائحة في الشرع حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه عند مسلم ولفظه: (( ((لو بعت من أخيك تمرًا فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا، لِمَ تأخذ مال أخيك بغير حق؟)) )) (٥) . وكذلك حديثه أيضًا عند مسلم: ((أمر النبي عليه السلام بوضع الجوائح))


(١) مختصر صحيح مسلم للمنذري، باب تحريم بيع صبرة التمر المجهولة القدر بالتمر، كتاب البيوع، ص ٢٤٦.
(٢) مختصر صحيح مسلم للمنذري، باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا، كتاب البيوع، ص ٢٤٧.
(٣) الفيروزآبادي، القاموس المحيط، فصل الجيم، باب الحاء: ١ / ٢٢٧، الفيومي المصباح المنير: ١ / ١٣٨.
(٤) هذا تعريف ابن القاسم من المالكية، وتبعه عليه أكثرهم , عرفها الشافعية والحنابلة بأنها كل ما أذهب الثمرة أو بعضها بغير جناية آدمي، انظر الموسوعة الفقهية: ١٥ / ٦٧، ٦٨. والأولون نظروا إلى المعنى فعمموا في معنى الجائحة، وأما أصحاب الرأي الثاني فإنهم نظروا إلى النص الذي ورد في الجائحة، فقصروها على مورده.
(٥) رواه مسلم في باب الجائحة في بيع الثمر من كتاب البيوع، مختصر مسلم للمنذري، ص ٢٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>