للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشكلة الحقيقية أن حرص علمائنا الشديد على إلحاق النقود الورقية بأحكام النقدين كان منبعثًا من خوفهم الشديد أن يجري فيها الربا، ولا تدفع فيها زكاة إن لم يفعلوا هذه، ولم يكن هذا الخوف إلا بسبب أن البعض من الفقهاء المعاصرين أراد إلحاق النقود الورقية بالفلوس، والتي لم تعتبر نقدًا لدى الشافعية في أي زمن من الأزمان، فأبيح فيها الفلس بالفلسين (١) ، ولقد رأينا أن من الفقهاء المعاصرين من أراد اعتبار النقود الورقية عروض تجارة، فيصبح بيعها وشراؤها جائزًا وفقًا للتقدير، وتسقط عنها الاعتبارات الشرعية الخاصة بزكاة النقدين ... إلخ، ولكن الخوف من الوقع في هذه المصائب جعلنا نقع في مصيبة أخرى، حينما أصبح التضخم بلاء مستمرًا في حياتنا، بينما اعتبرنا النقد الورقي بديلًا كاملًا للذهب والفضة وأعطيناه أحكامهما في الفقه الإسلامي، هذا خطأ ينبغي التراجع عنه، ليس دفاعًا عن أي رأي فقهي ولا عن أبي سياسة، بل لكي نضع أيدينا أولًا على الحقيقية ونؤسس أحكامًا صحيحة عليها.


(١) انظر: عبد الله بن سليمان بن منيع، الورق النقدي، حقيقته، تاريخه، قيمته وحكمه، الطبعة الثانية، المملكة العربية السعودية، (١٤٠٤ هـ ـ / ١٩٨٤ م) ، ص ٥٩. ولا تعتبر الفلوس من الأموال الربوية عند المالكية على المشهور وكذلك الشافعية والحنابلة على الصحيح. انظر موسى آدم، رسالة ماجستير بعنوان (آثار التغيرات في قيمة النقود وكيفية معالجتها في الاقتصاد الإسلامي) ، جامعة أم القرى – مكة المكرمة (١٤٠٥ هـ ـ / ١٩٨٥ م) ، وقد تم نشرها ضمن سلسلة صالح كامل للرسائل الجامعية في الاقتصاد الإسلامي (١٤١٤ هـ / ١٩٩٣ م) ، وكنت مشرفًا على النواحي الاقتصادي في هذه الرسالة. وانظر: البهوتي كشاف القناع، مكتبة النصر الحديثة، الرياض: ٣ / ٢٥١.قال: ولا يجري الربا أيضًا فيما لا يوزن عرفًا لصناعته، ولو كان أصله الوزن غير المعمول من النقدين. قال: فيجوز بيع سكين بسكينتين، وبيع إبرة بإبرتين ونحوه، وكذا يجوز بيع فلس بفلسين عددًا ولو نافقة؛ لأنها ليست بمكيل ولا موزون. أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن مجاهد لا بأس الفلس بالفلسين يدًا بيد. وأخرج حماد مثله، ونص أحمد: لا يباع فلس بفلسين ولا سكين بسكينتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>