وسأقتطف بضعة فقرات من أقوال علمائنا قديمًا، لكي أبين كيف كانوا على دراية بما ينبغي أن يكون عليه النقد حتى يقوم بوظائفه، إنهم يعنون فعلًا ما نريده نحن الآن من النقد، ولكن لا نجده كاملًا في النقد الورقي، قال ابن القيم: " فإن الدراهم والدنانير أثمان المبيعات، والثمن هو المعيار الذي يعرف به تقويم الأموال، فيجب أن يكون محدودًا مضبوطًا لا يرتفع ولا ينخفض، إذا لو كان الثمن يرتفع وينخفض كالسلع لم يكن لنا ثمن نعتبر به المبيعات، بل الجميع سلع، وحاجة الناس إلى ثمن يعتبرون به المبيعات حاجة ضرورية عامة، وذلك لا يمكن إلا بسعر تعرف به القيمة، وذلك لا يكون إلا بثمن تقوم به الأشياء، ويستمر على حالة واحدة، ولا يقوم هو بغيره، إذ يصير سلعة يرتفع وينخفض. فتفسد معاملات الناس، ويقع الخلف ويشتد الضرر، كما رأيت من فساد معاملاتهم والضرر اللاحق بهم حين اتخذت الفلوس سلعة تعد للربح. فعم الضرر وحصل الظلم، أقول: وما أشبه هذا بل أكثر منه بما حدث ويحدث في إصدار النقود الورقية، بما لا يتفق مع المصلحة العامة ويؤدي إلى التهاب الأسعار، ولو جعلت ثمنًا واحدًا لا يزداد ولا ينقص ولا تقوم هي بغيرها؛ لصلح أمر الناس. ولا تحتاج هذه الفقرة إلى أي تعقيب، فهي شاهد إثبات على ما للدنانير والدراهم من صفات تمكنها من القيام بوظيفة الثمنية حاضرًا أو آجلًا، على أتم ما يرام غير متحقق في النقد الورقي (١) . وكذلك أيضًا العبارة التالية من مقدمة ابن خلدون تثبت نفس المعنى.
(١) ابن قيم الجوزية، أعلام الموقعين: ٢ / ١٣٢. وقد تنبهت إلى هذه العبارة بعد أن رأيتها في مقالة علي السالوس، سبق ذكر المرجع، ص ١٧٢٥ – ١٧٢٦.