بقيت شبهة أخرى في اعتبار قرينة الأمارات، وهى ما صارت إليه بحوث المختصين في محاربة الجريمة، من استحداث أجهزة تسجل انفعالات المتهم عند التحقيق معه، فهل يعتبر ما تسجله قرائن معتمدة.
لسنا ندري إن كان في إمكان هذه الأجهزة أو من يستعملونها، التمييز في ما تسجله بين رسوم الانفعالات الخوف ورسوم انفعالات الحذر، فلا مراء في أن المشتبه فيه – مهما يبلغ جأشه أو يقينه ببراءته قوة – يستشعر الخوف على الأقل من أن ينحرف التحقيق عن جادة الحق فيوجه إليه الاتهام، فإذا لم يتيسر التمييز في ما تسجله هذه الأجهزة بين انفعالات الخوف وانفعالات الحذر، كان اعتبار تسجيلاتها وسيلة للتظلم بقدر ما يمكن أن تكون وسيلة للكشف عن الجريمة وتعيين المجرم.
يضاف إلى ذلك أن الالتجاء إلى هذه الأجهزة لا يجوز في الشريعة الإسلامية، إلا في مواجهة من عرف بالإجرام أو قوي الاشتباه فيه، لأنه مجرم يملك من الذكاء والمكر ما يفلت به عادة من إثبات الإجرام عليه، لأن الإقرار نفسه، أو بالأحرى الاعتراف – وهي العبارة التي يجب استعمالها في التشريع الجنائي – إذا صدر في ظرف لا يمكن اعتباره اختيارياً كحال التهديد أو إغلاظ المحقق للقول على المتهم أو التلويح باستعمال العنف، لا يعتبر اعترافاً ملزماً، إلا أن يصر عليه صاحبه أمام القضاء حين يزول كل أثر لذلك الظرف ويصبح الاعتراف اختيارياً محضاً بناء على قاعدة (درء الحدود بالشبهات) . بيد أن هذا ينحصر في الحدود لما له من أثر بعيد عميق على مستقبل حياة المتهم وعلى المجتمع قاطبة، أما في ما دون الحدود، من موجبات التعزير، فالشأن فيه مختلف، فلو طبق مبدأ درء الحدود بالشبهات تطبيقاً عاماً شاملاً، لأفلت الكثير من الجناة مما من شأنه أن يردعهم عن الإساءة لأنفسهم وللمجتمع.